أسدل ديوان المظالم الستار على قضية تحويل رواتب موظفي الرئاسة العامة لشؤون الحرمين إلى البنوك المحلية، رغم إصرار ممثل الرئاسة على موقفه المتزمت بناء على رؤية فردية أحادية حرمت موظفي الرئاسة من الاستفادة من هذا الإجراء أسوة بموظفي الدولة بحجة أن البنك حرام وأن موظفيها سيتورطون في أخذ الربا. رغم إجازة هيئة كبار العلماء بتحويل رواتب موظفي الدولة إلى البنك إلا أن الرئاسة أصرت وعتت على كل هذه الأدلة، بل إن وكيل الرئاسة أكد أنهم غير ملزمين بتطبيق الحكم وأنهم غير راضين عنه وسيتم الاستئناف رغم عدم كفاءة الأدلة وعدم وجود أدلة جديدة فأدلتهم تقع خارج دائرة المنطق والمعقول، فكأن الدين يعتمد على رضا الأشخاص. ذكرت الاقتصادية أن الدكتور محمد المسعودي أحد أعضاء هيئة إفتاء المسجد الحرام ذكر أن (الصرافات البشرية) ويقصد بها مكاتب سداد الفواتير هي نوع من أنواع الربا، وفعلهم هذا محرم. وقال إن هذه الزيادة التي تتقاضاها هذه الصرافات زيادة على قيمة الفاتورة إنما هي ربا. وإن سماها الناس مقابل أتعاب. وقال إن هذه الفواتير أو قسائم المخالفات تعتبر مالا. والمال المعوض عنها مال أيضاً، فتقابل النقدان، فاشترط عندئذ التماثل والحلول والتقابض واعتبر ذلك شراء مال بمال، فمن زاد أو استزاد فقد أربى. ويعجب المرء من إصدار مثل هذه الفتوى تحمل هذه المغالطات والتشبث بأهداب استدلالات واهية لا تمت إلى الموضوع بصلة وذلك للتفنن والإبداع في التضييق على الناس وسد سبل التيسير وقضاء حوائجهم. فمن أين جاء هؤلاء بأن فاتورة الكهرباء أو قسيمة المخالفة المرورية أو إشعار الجوازات أو غيرها من المستحقات المالية للجهات المطالبة، من قال إن هذه تعتبر مالا؟!! وأن من سددها نيابة عن صاحبها فإنه يكون قد بادل مالا بمال؟ فهذه الفواتير أو قسائم المخالفات المرورية أو ما شابهها من الأوراق المتعلقة بمصالح الناس مثل تجديد إقامة السائق أو الخادمة أو رخصة القيادة أو تجديد الاستمارة، هي بمثابة إشعار لصاحب الشأن بما عليه من التزامات مالية تجاه الجهة التي يتعامل معها ومقدار هذه المبالغ ولأي شيء هي. فهل هذه تعتبر أوراقا مالية؟! وأن من يقومون بسدادها نيابة عن أصحابها يكون قد بادل مالا بمال؟! بأي عقلية ينظر هؤلاء إلى هذه المسائل؟! فإن هذه المكاتب التي تعمل بجوار إدارات المرور والجوازات وما شابهها من الإدارات إنما افتتحت لغرض تسهيل وإنهاء الإجراءات المالية للناس وإنهاء مستخلصات الجهات الرسمية فيها وقضاء حوائج الناس بأسرع وقت. والعاملون في هذه المكاتب لديهم حساب جار في البنوك التي يتعاملون معها ولديهم أجهزة كمبيوتر والتزامات في الشبكة العنكبوتية الإنترنت ويدخلون بها على حساباتهم الخاصة في البنوك ويسددون هذه المبالغ من حسابهم الخاص لصالح الجهات المطالبة لهؤلاء المراجعين ويقدمون لهم مستندات بتسوية المطالبات المالية والتي عليها تقوم الجهة المختصة بإنهاء المعاملات وقضاء حاجة المراجعين فيها. وتتقاضى هذه المكاتب لقاء هذه الخدمة نسبة معينة نحو 10% أو تزيد أو تنقص. فهل هذا الأجر الذي يتقاضونه لقاء هذه الخدمة يعتبر من باب الربا؟! أولا: هذه ليست مبادلة مال بمال كما قال الدكتور المسعودي. بل هي بالمنظور الفقهي من باب الإحالة، بمعنى أن هؤلاء المراجعين يحيلون هذه المطالبات إلى هذه المكاتب لتسديدها نيابة عن المدين. وللجهة المحيلة التي تقوم بالسداد الحق في طلب ما تراه من تكاليف لقاء هذه الخدمة. فهي منفعة تبيعها هذه المكاتب لأصحاب الحاجة، كما يبيع سائق التاكسي منفعة النقل في سيارته ويبيع صاحب العمارة منفعة السكن للإيجار وللساكنين فيها. فمن أين جاء هؤلاء بلوثة الربا ينشرونها في كل حدب وصوب من معاملات الناس وسبل حوائجهم. ثانياً: حتى لو كان هناك ثمة تبادل مالٍ بمال -وليست فيما نحن فيه مقدار ذرة منه- فإن الراجح عند أهل العلم أن معنى الربا لا يتحقق في التفاضل ما لم يقترن بالنسيئة كما قال ابن عباس فيما رواه عنه البخاري ومسلم لا ربا إلا في النسيئة، وهذا يوقف العمل بحديث (الذهب بالذهب والفضة بالفضة...). وثالثاً: حتى لو عقد ربا النسيئة فإن هناك ثمة فارقا كبيرا في تعامل الأفراد وبين تعامل الهيئات المعنوية مثل البنوك والشركات والدول والأجهزة المالية فيها. ومن هذا الباب أجاز مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية المنعقدة بتاريخ 8-13 من شهر صفر 1407ه في عمان بالأردن أقر لبنك التنمية الإسلامي أخذ ما يعادل 3% من القروض التي يمنحها للدول الأعضاء في منظمة العالم الإسلامي. وهي بمثابة التكاليف الفعلية لمنح القروض وتسجيلها ومتابعتها ومتابعة سدادها خلال فترة القرض. ومنها تدفع مصاريف الموظفين والقائمين على إعطاء وتسديد هذه القروض. فكان من الأكمل والأجمل في حق المحرمين الذين يكيلونه للناس جزافاً أن يتحروا الدقة في ماهية هذه المعاملة ويضعوها بالمنظور الفقهي في محلها الصحيح بدلا من التهافت إلى التحريم على حجج واهية ساقطة لا تمت إلى جوهر القضية بصلة. وأصبحت (موضة) الناس هذه الأيام التسارع إلى التحريم لأدنى سانحة وأبعد شاردة من أوهى دليل يكيلونه للناس جزافاً لينالوا إعجاب الناس وثقتهم وكأن التحريم أصبح في آخر الزمن سلعة تباع وتشترى. لذا فإن القرار الملكي الذي صدر بحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء قرار حكيم صدر في الوقت المناسب للجم أصحاب الفتاوى الذين يفتون دون علم ودون الاستناد على خلفية شرعية أو حتى استدعاء للنصوص أو الأحداث والقياس عليها. وإنما التحريم والتحليل لديهم حسب الأمزجة والرؤية الخاصة بهم وهذا يتعارض جملة وتفصيلا مع بديهيات هذا الدين. فالحلال والحرام حكمان شرعيان من خصوصيات الخالق. تحية إجلال لديوان المظالم الذي أصدر الكثير من الأحكام برؤية شرعية دون محاباة وأعاد الكثير من الحقوق لأصحابها وألزم الكثير من الجهات بالتراجع عن قراراتها التي صدرت تحمل ظلماً بناء على معطيات خاطئة، مد الله في عمر من منح الشفافية وحقن شريان الوطن بالعدل والإنصاف. كما أنه ومنذ شهر رمضان ومصلحة التقاعد تلت وتعجن وتصرح وتعلن للمتقاعدين بضرورة تغيير مهنتهم لدى الأحوال المدنية وإلا سيتم وقف معاشاتهم والمنطق يقول أنه بمجرد حصول الموظف على التقاعد فإن صورة من هذا الإجراء تذهب مباشرة إلى الأحوال لتغيير المهنة، لا داعي أن يذهب المتقاعد ومعه ملف أخضر علاقي ومعروض استرحام ويقف في الطابور لتعديل مهنته. هذا الإجراء من المفترض أن يتم إليكترونياً فعلى المصلحة أن تعي أننا مقبلون على حكومة إليكترونية فلترحم المتقاعد من دوران الشوارع وترسل صورة من تقاعده إلى الأحوال أو تلزم إدارته بذلك لتريحه في كبره. تدعي المصلحة أنها صرفت راتب رمضان للمتقاعدين رغم مخالفته للأنظمة وهذه كلمة كبيرة لابد أن نعي معناها فالمخالفة يترتب عليها عقوبات، فكيف تخالف جهة حكومية؟ لا داعي لإتعاب المواطن وذله. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة