ظهرت في أوروبا وأمريكا كتابات تتشاءم من مستقبل أوروبا، وتنذر بمصير قاتم، وتصور وكأن أوروبا شارفت على الزوال والانتهاء، وكشفت عن مخاوف وهواجس شديدة الحساسية والخطورة، وتلفت النظر إلى ما يواجه الهوية الأوروبية المسيحية من خطر محدق بات يؤثر على وجودها ورسوخها، ويعرضها للتمزق والاختراق. من هذه الكتابات ما نشرته مجلة نيوزويك العربية على غلافها في مايو 2004م بعنوان: (نهاية أوروبا)، وكانت هذه قضية العدد التي أعدها الكاتب مايكل ماير، وجاءت على خلفية انضمام عشر دول من المعسكر الشرقي السابق إلى دول الاتحاد الأوروبي. وفي نوفمبر 2006م نشر الكاتب الأمريكي دانيال بايبس مقالة في صحيفة نيويورك صن بعنوان: (أوروبا في حكم المنتهية)، حذر فيها مما أسماه تهديد الإسلام المتشدد للغرب. وفي يونيو 2008م نشر رئيس تحرير جريدة عالم أوروبا غايلز ميريت مقالة بعنوان: (اختفاء أوروبا)، تساءل في مطلعها بقوله: ترى ماذا قد يعني بالنسبة لأي منا أن يكون أوروبيا بعد ربع قرن من الآن؟.. معتبرا أن الأوروبي الأصلي أصبح نوعا معرضا لخطر الانقراض. ومن أحدث هذه الكتابات الكتاب الذي نشره هذا العام الكاتب السياسي والاقتصادي الألماني تيلو ساراتزين عضو مجلس إدارة البنك الاتحادي الألماني، بعنوان: (ألمانية تلغي نفسها)، وأثار به جدلا واسعا داخل المجتمع الألماني، وأحدث انقساما في الرأي، وقيل إن طبعته الأولى نفدت خلال أيام، وكانت تقدر بعشرين ألف نسخة، وصدرت منه طبعة ثانية، ويحتمل أن تتوالى طبعاته. والجدل الواسع الذي أحدثه هذا الكتاب، جاء متأثرا ومنفعلا بظروف الأزمة الاقتصادية الصعبة التي مر بها الاقتصاد الألماني والاقتصاديات الأوروبية بصورة عامة، واضعا مستقبل ألمانيا على المحك، الأمر الذي يقتضي حسب رأي تيلو ساراتزين إنقاذ ألمانيا قبل فوات الأوان، لأنها تسير في نظره نحو الهاوية، فلا بد من العمل والعمل الشاق لإيقاف هذا الانحدار. وعند النظر في هذه الكتابات، يمكن القول إنها تلتقي وتشترك في التركز على قضيتين رئيسيتين، الأولى لها طبيعة اقتصادية واجتماعية، والثانية لها طبيعة ثقافية ودينية.. وتتحدد القضية الأولى فيما وصفه غايلز ميريت بالانكماش السكاني في أوروبا، وتدني نسبة الولادات فيها، وتعرض سكان أوروبا الأصليين إلى التضاؤل والتناقص، وحسب وصف تيلو ساراتزين فإنها تتحدد في انخفاض معدلات المواليد الجدد لدى الطبقات المتوسطة، في مقابل ازدياد عدد المهاجرين وارتفاع نسبة المواليد لديهم، والعيش على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها لهم الدولة، وبشكل يستنزف موارد الدولة، وينذر بكارثة ديمغرافية. ومن جهته يرى ميريت أن أوروبا بحاجة ماسة إلى المهاجرين، إلا أنها لم تستعد بعد على المستوى الثقافي للترحيب بهم، وهذا يعني في نظره أن أوروبا ستشهد في العقود القادمة قدرا أعظم من التغير الاجتماعي، إلا أن طبيعة هذا التغير بعيدة كل البعد عن الوضوح. وتتحدد القضية الثانية في تنامي الوجود الإسلامي في أوروبا، وهذا ما أراد ساراتزين أن يحذر منه، ويدق ناقوس الخطر معلنا استحالة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني وفي المجتمعات الأوروبية عامة، مستندا على موقف غريب ومستهكم، حيث يرى أن الجينات الوراثية للمسلمين تختلف عن الجينات الوراثية عند الألمان والأوروبيين. وهذا كلام خطير يكرس العنصرية ويشرع لها، ويذكر بالنزعة النازية التي تفاضل بين الأجناس، وأكثر ما يلفت النظر في هذه الكتابات أنها تتعامل مع الوجود الإسلامي في أوروبا بطريقة خاطئة، وتكرس الخطأ بهذه الطريقة التي تفسد ولا تصلح، ولا تجلب معها إلا الضرر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة