تحدث بعض الغربيين أوروبيين وأمريكيين عن مقولة حساسة ومثيرة للقلق، هي مقولة (أسلمة أوروبا)، ولعل هذه واحدة من أغرب المقولات المصنعة في الغرب، ولا أدري مدى قناعة الأوروبيين بهذه المقولة، وهل هي من المقولات الجادة فعلا، أم أنها من المقولات التي تخفي وراءها بواطن يجري التستر عليها، لكنها لم تأت من فراغ، وبدون مقدمات، فهناك بواعث وأرضيات كانت محرضة على نحت هذه المقولة بهذه التركيبة المستفزة بشدة. ولتفسير هذه المقولة وتحديد طبيعة وجهات النظر المعبرة عنها، يمكن الكشف عن الخلفيات والأبعاد التالية: أولا: هناك من تحدث عن هذه المقولة بقصد التحريض على المسلمين في أوروبا، ودفع الأوروبيين إلى الصدام مع المسلمين، وفي هذا النطاق تأتي المقالة التي نشرها الكاتب الأمريكي المتشدد دانيال بايبس في مايو 2004م بصحيفة نيويورك صن بعنوان (أوروبا المسلمة)، حيث اعتبر فيها أن أوروبا تصبح يوما بعد يوم إقليما من أقاليم الإسلام، أو مستعمرة إسلامية، ويرى أن الإسلام أخذ يغزو معقل المسيحية القديم أوروبا. ثانيا: هناك من تحدث عن هذه المقولة بقصد الاحتجاج على تعاظم انتشار الإسلام في المدن والعواصم الأوروبية، وفي هذا النطاق يأتي موقف رجل الدين الألماني المتقاعد رولاند فيسلبرغ في نوفمبر 2006م، الذي أثار دهشة الجميع حين أقدم على إضرام النار في نفسه بساحة دير مدينة إيرفورت وسط ألمانيا، وكتب في رسالته الوداعية إنه أقدم على هذه الخطوة ليحذر من خطر أسلمة أوروبا. ثالثا: هناك من تحدث عن هذه المقولة بقصد إظهار الخشية على الجذور المسيحية في أوروبا، وفي هذا النطاق يأتي ما أشار إليه في يوليو 2007م جيورج جاينزفاين السكرتير الخاص لباب الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر في مقابلة مع مجلة زودوتيشه تسايتونج الألمانية بقوله لا يجب إغفال محاولات أسلمة الغرب، وأن الخطر الذي يهدد أوروبا يجب ألا يتم تجاهله بمبررات مثل الاحترام القائم على مفاهيم خاطئة، ومشددا على عدم تجاهل الجذور المسيحية لأوروبا. رابعا: هناك من تحدث عن هذه المقولة بقصد توجيه النقد إلى السياسات الاقتصادية في بلده وفي هذا النطاق يأتي ما أشار إليه الكاتب السياسي والاقتصادي الألماني تيلو ساراتزين في كتابه المثير للجدل (ألمانيا تلغي نفسها) الصادر سنة 2010م، حيث حمل ما أسماه السياسات الفاشلة لحكومة بلاده التي تشجع المسلمين حسب قوله على القدوم ونشر أفكارهم وعقائدهم الثقافية والدينية داخل المجتمع الألماني، بما يشكل خطرا على الهوية الأوروبية والمسيحية في ألمانيا، ومحذرا من أنه إذا لم يتم تدارك الأمر فإن ألمانيا ستتحول إلى دولة إسلامية خلال المائة سنة القادمة.. في مقابل هذا المنحى وعلى الضد منه، هناك من وجد أنه ينبغي توجيه الشكر للمسلمين لأنهم أسهموا في إعادة الاهتمام بالدين في المجتمعات الأوروبية التي تراجع فيها هذا الاهتمام، وأشار إلى هذا الرأي الكردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان في خطاب نشرته أوسرفاتوري رومانو الصحيفة الرسمية للفاتيكان، حيث اعتبر أن الفضل في ذلك يعود للمسلمين الذين طالبوا بوجود مساحة للدين في المجتمع، بعد أن أصبحوا أقلية مهمة في أوروبا. وعند النظر في مقولة أسلمة أوروبا، فإنها لا تعدو أن تكون مجرد خرافة تكشف عن أن أوروبا بدأت تواجه أزمة في هويتها، وما هذه المقولة إلا أحد تداعياتها.