كلما بدأت مواسم معارض الكتب في البلاد العربية، تلك المعارض التي يعتمد عليها الناشرون كثيرا، في ترويج كتبهم، ويعتمد عليها الكتاب أيضا في الحصول على قارئ، يأتي خصيصا لاقتناء كتاب من مكان ليس فيه سلعة سوى الكتب، بدأت أيضا قضية أخرى موازية، وهي قضية منع بعض الكتب من الدخول إلى المعارض، وبالتالي من التداول بين القراء. نقرأ في العادة قوائم طويلة عريضة تضم كتبا في مختلف ضروب المعرفة، أو الآداب، باعتبارها كتبا ممنوعة، أي كتبا غير مرغوب في وجودها في هذا المعرض أو ذاك، ونقرأ ردود أفعال غاضبة من الناشرين الحالمين برواج سلعهم الموسمي، والكتاب الذين يبرئون كتبهم من أي درن يستوجب منعها، والقراء الذين ينتظرون كتابا بعينه، ويفاجأون به مطرودا، حين يفتتح المعرض. الكتب التي تمنع في العادة حسب اعتقادي تضم شيئا من المحظورات التي ترى إدارات المعارض، أنها خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، سواء أكانت محظورات دينية أو سياسية أو اجتماعية، وهي بالتالي تنبه القارئ غير الأصلي، أو غير المتمرس في القراءة إلى وجود نشاز ما، وغالبا ما يسعى ذلك القارئ للحصول على الكتاب الممنوع بأي ثمن، لا لإرضاء شهوة القراءة، ولكن بحثا عن النشاز، وبالتالي رواج أكثر لسلعة ربما تبور لو لم ينبه إليها. أنا مع حرية الكتابة بلا شك، ولكن في نفس الوقت، أرفض الخروج عن المألوف سعيا وراء شهرة دنيوية كاذبة، وأرفض الخوض في مسائل راسخة، وعظيمة، وأرفض بشدة إقحام الدين في كتابة دنيوية، والإساءة إلى الشعائر، ولا أقرأ كتابا يتعرض لمثل تلك المسائل، مهما بلغت شهرته، وقد كتبت كثيرا عن عدد من الكتب الركيكة التي تعرضت لعقائدنا، مثل كتاب جوهرة المدينة للأمريكية شيري جونز، والذي لحسن الحظ، لم يحقق أي انتشار برغم ما أثير حوله، وكان عدم تحقيق الانتشار هذا، ردا بليغا على ضحالة الكتاب وعدم جدواه. المهم في الأمر، أن قارئ اليوم يختلف كثيرا عن قارئ الأمس، قارئ الأمس تربى على محدودية القراءة وصعوبة توفر الثقافة، حين كانت المكتبات قليلة، والكتب التي تطبع قليلة جدا، بعكس قارئ اليوم الذي تربى على سهولة العثور على المعلومة، ومهما منع عنه كتاب، سيعثر على نسخة منه، حتى لو إليكترونيا عن طريق الإنترنت، ورأيي الشخصي، أن قارئ اليوم أكثر ذكاء، ويستطيع وحده أن ينتقي ما يصلحه، ويلفظ ما يضره، وإن حدث وقرأ كتابا ضارا، سيعرف بالتأكيد ما يضره، في الأجيال السابقة، كان من السهل على أي مثقف أن ينحرف بأفكاره لمجرد أنه قرأ كتابا، واليوم بتعدد المصادر، ومقارنة المواضيع ببعضها، أصبح صعبا أن يؤثر كتاب وحيد في قارئ متعدد الثقافات. إذن، فلتطرح الكتب بكل ما فيها أمام ذكاء القارئ، ولا يمنع الكتاب حتى لا تطارده العقول غير المتمرسة في القراءة. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة