من مزايا الإسلام أنه لاكهنوتية فيه، وأن العلاقة بين العبد وربه علاقة مباشرة، فلا وساطة ولا وسطاء، كذلك من مزايا الإسلام أن طلب المعرفة بأمور العبادات والأحكام والتكاليف هو أمر متاح للجميع بل إنه مطلوب من كل مسلم، وليس أمرا مقصورا على جماعة بعينها. ومن هنا فإن الأصل في الإسلام أن يكون الاجتهاد في طلب المعرفة واجبا مفروضا على كل مسلم وعليه أن يجتهد في بلوغ القدر الذي يستطيع منه، وأدناه ما يحتاج إليه في عبادته لربه واقتفاء خطى نبيه الهادي عليه الصلاة والسلام وصحابته من بعده رضي الله عنهم أجمعين. بهذا نجد أن الإسلام في أصله لا احتكار فيه للعلم الشرعي، فباب العلم مفتوح للجميع ومطلوب من المسلمين كلهم، إناثا وذكورا، كبارا وصغارا، الولوج منه للنهل من معين المعرفة كل بقدر استطاعته. وهذا لايعني أن الجميع متساوون في مقدار علمهم فهناك من هم أكثر غوصا في العلم من غيرهم، وهناك من هم أشد ذكاء وأدق ملاحظة، وهو ما يجعل درجات المعرفة تتفاوت بين الناس، وهنا يتوقع ممن لايعرف أن يسأل ويستعين ويسترشد بمن يعرف، فيكون الأمر تشاورا وتناصحا واسترشادا، لا أوامر وإملاءات تفيض بالتعالي والشعور بالتميز والأفضلية. لكن ما يجري في مجتمعاتنا الإسلامية ابتعد عن هذا الأصل كثيرا وكثيرا جدا، فصار المجتمع يقسم الناس إلى قسمين: علماء دين يعطي لهم لباس الإجلال والتوقير إلى حد (القدسية)، فيعد قولهم هو القول الفصل الذي لايعتريه زلل، ولاينبغي مراجعته أو إثارة الجدل حوله، بل إن من تسول له نفسه مخالفة ذلك يهدد بأفظع العواقب، ونجد عبارة (لحوم العلماء مسمومة) تتصدر المشهد العلمي لترسم سياجا حاميا لكل من يحمل لقب عالم كي لايقترب من حمى رأيه أحد من (العامة). أما متى بان خطأ العالم جليا كالشمس، فإن من الإجلال له أن لايذكر خطؤه علنا، وأن يسر إليه بذلك إسرارا لايفقده هيبته أمام الناس. فالعالم كما تصوره الثقافة الإسلامية المعاصرة، ينبغي أن تكون له (هيبة)، أي أن تكون له في نفوس الناس قدسية خاصة تمهد لاتباع ما يقول بصرف النظر عن درجة الصحة في ذلك. وهناك بعض الأمور التي أقرها بعض الفقهاء باجتهاد منهم، لكنها تبدو لنا اليوم غير صحيحة وباعثة على التردد في قبولها، وهي في حاجة إلى إعادة النظر فيها مثل بعض الأحكام المتعلقة بالمعاملات المالية أو بتقديرات الدية والتمييز فيها بين الرجل والمرأة حيث تبدو الروح الإنسانية متفاوتة القيمة بين الذكر والأنثى، أو ببعض الأحكام الأخرى المتعلقة بطبيعة العلاقة بين الزوجين، أو بحق الأب المطلق في الولاية على ابنته، أو غيرها من الأحكام الاجتهادية التي تمس حياة الناس ويشعرون بحاجتهم إلى مناقشتها وإثارة البحث فيها وإبداء رؤية مختلفة حولها، لكنهم ما إن يفعلوا ذلك حتى يتبادر إلى أسماعهم طلب السكوت منهم بحجة أنهم من (العامة) غير المتخصصين، وأن عليهم أن يدعوا تلك المواضيع لأهلها فلا يقتربوا منها.. والعامة هنا لا يراد بهم الجهلة من الناس غير المتعلمين، وإنما المعني بهم أولئك الذين لم يتخصصوا في مجال الدراسات الشرعية. والتخصص في المفهوم المعاصر يأتي من أحد رافدين: إما الحصول على شهادة عصرية من كلية شرعية معترف بها، أو بالتتلمذ على يد عالم معروف، أما ما عدا ذلك فلا قيمة له، فحسب هذا المفهوم في التخصص فإن الفرد يعد (عاميا) حتى وإن كان يحمل درجة علمية عليا تمكنه من اتباع منهج علمي صحيح في قراءة واستيعاب معظم ما حفظته مؤلفات العلماء من نصوص أصلية، وبإمكانه تتبع الاختلافات فيها والنظر في التفسيرات المتعددة لها والجدل القائم حولها. إلا أنه يظل في نظر أصحاب ذلك المفهوم من (العوام) الذين لايحق لهم الخوض في مسائل الدين وعلوم الشرع، فيطلب منه تركها (لأهلها). وهو نوع من الحجر العلمي على الناس، وتعميق لمفهوم الكهنوت بحصر المعرفة الشرعية لدى فئة خاصة منهم. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة