مهما كان الإنسان عالماً ومتعلماً، ومهما بلغ من درجات الكمال، فإنه يبقى بشراً يصيب ويخطئ، وما الكمال في النهاية إلا لله وحده. فالقرارات والأحكام والتقييمات التي يتخذها الإنسان تجاه هذه القضية أو تلك، هذه المسألة أو تلك، إنما تعتمد على عوامل كثيرة، ولذلك نجد اختلاف المواقف والأحكام في القضية الواحدة، مهما حاول الإنسان أن يكون موضوعياً متجرداً من غلبة الذات على الموضوع. أمور كثيرة تتحكم بعقل الإنسان وأحكامه وقراراته، لعل من أهمها الميول، والانتماءات، والعقائد، والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، والتنشئة التي شكلت العقل، وهي تعمل بشكل غير مُدرك وغير واع، حتى لو حاول الفرد مخلصاً أن يتخلص من تأثيراتها، فالكل في النهاية يرى العالم، وعالم الإنسان وعلاقاته تحديداً، من خلال تلك الدوافع والغايات والعوامل غير المرئية التي شكلت عقله، ويتخذ قراراته ومواقفه من خلال تلك العوامل، وهو بذلك من غير الشاعرين. فالعالم في النهاية ليس شيئاً موضوعياً خارج الذات، بل هو مجموعة من المفاهيم الذاتية التي تشكل معناه، أي العالم، بالنسبة للفرد والجماعة. فالعالم وإن كان واحداً، إلا أن إدراكه وفهمه والموقف منه هو عوالم متعددة. فالعالم بالنسبة للإسلامي ليس هو ذات العالم الذي يراه الماركسي مثلاً. والعالم بالنسبة للفقير ليس هو ذات العالم بالنسبة للغني. والعالم بالنسبة للغربي ليس هو ذات العالم بالنسبة للشرقي، وعلى ذلك يُمكن القياس. توفر المعلومات لا يعني أن يكون الموقف واحداً تجاه العالم، مهما كانت وفرة هذه المعلومات. فالمعلومات توفر التبرير بالنسبة للموقف المتخذ سلفاً، حتى لو لم يكن مُتخذ الموقف واعياً بأن موقفه قد اتخذ سلفاً في تلافيف عقله الباطن. فالموقف من المعلومة هو موقف انتقائي، بمعنى أن هنالك فرزاً يتم، بشكل واع أو بدون وعي، بحيث يؤكد على المعلومة المساندة للموقف، ويُغض الطرف عن المعلومة الداحضة. وقد أقام الفلاسفة السفسطائيين فلسفتهم على هذا الأساس من الفهم، فقد كانوا قادرين على إثبات موقف ما ودحضه في ذات الوقت، ولذلك كان يلجأ إليهم السياسيين من كل حدب وصوب، ومن مختلف المواقف، لتعليمهم فن الجدل، وكيف يمكن إثبات وجهة نظرهم ودحض حجة الخصم، فكانوا يعلمون إثبات القضية لهذا، ودحض ذات القضية في الوقت نفسه، ومن أجل ذلك يوصف الجدل الذي لا يتوخى الوصول إلى نتيجة معينة، بأنه جدل سفسطائي. هذه قضية مفهومة، وهي من طبيعة الحياة والبشر، فالتنوع، و\" دفع الناس بعضهم لبعض \"، هو الذي يعطي للحياة زخمها وحيويتها، وبغير ذلك تفسد الحياة، ولا يعود لها طعم أو لون أو رائحة. ولكن هناك أمور لا يجوز فيها التعدد واختلاف المواقف من القضية الواحدة، وذلك عندما تكون الحقوق هي القضية، وعندما يكون القضاء بين الناس هو محل النقاش. فاختلاف المواقف، أو الاعتماد على رأي الفرد في هذه القضية أو تلك، يعني انتفاء العدل، حين يختلف الحكم في القضايا المتشابهة، أو حين يُترك تحقيق العدل بيد فرد، مهما كان نزيهاً أو محايداً أو ساعياً للعدل، فتلك العوامل المتحدث عنها آنفاً، تبقى فاعلة على الرغم من نية صاحبها الظاهرة، وهنا في ظني تكمن علة القضاء في المملكة. فالقضاء في المملكة قائم على التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية، حيث تشكل الشريعة العمود الفقري للنظام القانوني السعودي، وهذا خيار من حق المملكة أن تنتهجه، فكل بلد يختار النظام الذي يراه مناسباً، في الوقت الذي يراه ملائماً، والذي يتوافق مع طبيعة وخلفية المجتمع المعني بالأمر. فالعدل، وفقاً للفهم القانوني، ليس واحداً لدى كل الشعوب، بل هو جزء من ثقافات الشعوب المختلفة، وما يكون عدلاً في امارستان ليس بالضرورة أن يكون عدلاً في جماهيرستان، وما كان عدلاً أيام حمورابي، قد لا يكون عدلاً أيام جوستنيان، والشعوب هي من يختار مفهوم العدل لديها، أو يُفترض أن يكون الأمر كذلك، ثم يأتي دور القانون ليترجم هذا المفهوم واقعاً مجسداً. والقضاء في المملكة فيه من الاستقلالية الشيء الكثير، مما لا يتوفر حتى في تلك النظم التي تقول بالديموقراطية ظاهراً. كما أنه ليس هناك شك في نزاهة القضاة في المملكة، أو لنقل أكثريتهم كي نكون أكثر دقة، ولكنهم في النهاية يبقون من البشر، وهنا تكمن المشكلة. مشكلة القضاء والقضاة في المملكة هي فردية الحكم والقرار، القائم على الاجتهاد الشخصي البحت، دون وجود مرجعية واضحة ودقيقة من القانون تحكمه، فنجد مثلاً أن الحكم في القضية الواحدة يختلف من قاض إلى قاض، بحيث يكون الحكم هنا هو السجن المؤبد مثلاً، فيما يكون هناك مجرد بضعة أشهر، وهو أمر يخل بالعدالة، وهو أمر لا يستقيم مع ذات الشريعة، التي هي المرجعية الكبرى للنظام القانوني السعودي. كما قلت آنفاً، نحن هنا لا نقدح في نزاهة القضاة، ولا في القضاء السعودي، بقدر ما أن الأمر يتعلق ببشرية القاضي، الذي يخطئ ويصب، والذي هو في النهاية فرد تتحكم فيه عوامل الغايات والانتماءات والاعتقادات وغيرها، مثله مثل أي فرد آخر من البشر، حتى وإن كان نزيهاً، ساعياً للحق والعدل بكل ما أوتي من قوة، وبكل صفاء نية. صحيح أن الشريعة هي العمود الفقري للنظام القانوني السعودي، وصحيح أن القضاء والقضاة يستندون في أحكامهم إلى النصوص الشريعة، ولكن مشكلة البشرية تبقى قائمة، وتشكل عائقاً من عوائق تحقيق العدل. فبصفته البشرية، ودون وجود نص قانوني واضح وملزم، تأتي قراء النص الشرعي مختلفة، بل وقد تكون متضاربة، من قاض إلى قاض، حتى في أحكام الحدود الواضحة. فعندما يسرق أحدهم مثلاً، والحد هنا هو قطع اليد، قد يرى قاض متسامح أن هنالك عوامل تمنع تنفيذ الحد، وذلك كما فعل عمر بن الخطاب في عام الرمادة، ولكن قد يكون هناك قاض متشدد يحكم بالقطع، وكلا الاثنان مجتهد، فهل نقول بأن لكل مجتهد نصيب، حين تكون القضية متعلقة بالحق والحقوق؟ لا أظن ذلك، إذ أن مقولة لكل مجتهد نصيب، أو إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، مسألة تتعلق بالإفتاء، وهو أمر غير مُلزم، وليس بالحقوق، فمن غير المعقول مثلاً أن يحكم أحدهم بالإعدام على أحدهم، ثم يتبين خطأ الحكم، ونقول بعد ذلك أنه كان من المجتهدين. حل هذه المشكلة ليس عسيراً، ولكنه يحتاج إلى وعي بها، ومن ثم إرادة لحلها فعلاً. التقنين هو الحل بكل بساطة، ولا أظن أن التقنين يتعارض مع الشريعة ونصوصها. فالنص دون تحديد دقيق، يبقى مفتوحاً لكل التفسيرات والتأويلات، وهذا أمر جيد حين تكون المسألة متعلقة بالشأن الثقافي أو الحضاري أو ما يتعلق بتغير الأحوال، ولكنه أمر غير جيد حين يكون الأمر متعلقاً بالقضاء والأحكام القضائية. فالتقنين، في هذه الحالة، يحد من بشرية القاضي، ويبقى اجتهاده في حدود ما يقرره النص القانوني، المستند أساساً إلى النص الشرعي. فلا جريمة بغير نص مثلاً في ظل التقنين، مما يتيح للمواطن معرفة ما له وما عليه، فيشعر بالطمأنينة من حيث أنه يعلم ما هو سلوك إجرامي وما هو غير ذلك، فيرسخ انتمائه للوطن، من حيث ثقته بالعدل. وفي ظل التقنين، لن يختلف الحكم في القضايا المتشابهة اختلافاً كبيراً، كما هو حادث اليوم، إذ يظل اجتهاد القاضي في حدود ما يقرره القانون من عقوبة قصوى وعقوبة دنيا، ولكنه لا يترك الأمر كله لاجتهاد القاضي، الذي هو بشر في الأول والآخر. القانون هو القيد الذهبي، كما ذهب إلى ذلك فلاسفة الإغريق العظام، وبغيره لا فرق بين عالم الإنسان وعالم الحيوان، ونحن في النهاية من يختار.. تركي الحمد ================================================================= تعليقات الزوار عبد الله العرفج بالاضافة الى التقنين ، جماعية الحكم بحيث يبت بالقضية الواحدة أكثر من قاضي محمد الرعوجي طرح حضاري وواقعي لاشبة فيه من وجهة نظري والواقع يؤيده وبشده فاهم اتمنى ان نرى تعليق مختص بالقضاء حول المقال او ان تتبنى (عاجل ) ايصال وجهة نظر رسمية قضائية حول مضمون المقال لانه بصراحه مقال جريء وممتاز بريداوي للقاضي عباءة لايقترب منها احد وهذا امر غير منطقي بتاتا لأنه بالأخير بشر وأؤيد الكاتب تركي الحمد ان الاجتهاد ممكن ان يكون بالإفتاء لكن ليس بالحقوق اطلاقا صالح الاحمد والله احترت في التعليق بين نوايا الكاتب ومنطقية الطرح لكن الأمر لأهل الاختصاص فهم ابخص.. فاطمه مقال واقعي ليس عليه غبار اتمنى ان يصل للقضاء الاعلى قلب وطن عتقد ان صحيفة بريدة عاجل فال على الجميع فهي ان شاء الله ستصبح همزة وصل بين الرأي العام والمسؤول بحيث تدرس بعض الاراء من حيث المنهجية ومن جوانب عديده لكي يمهد لهذه الاراء للمستقبل لتصبح تشريع جديد يساعد الافراد والمجتمع في التعايش مع الواقع كما ينبغي اتمنى ان يصل هذا المقال للمسؤولين بمجرد قبوله كمضمون أعتقد اننا بدأنا بالخطوة الاولى بعكس الماضي عندما كانت الاراء ترفض بدون توضيح الاسباب ومره أخرى نشكر الكاتب على طرح مثل هذه المقترحات التي تساعد على نهوض الامة بعيدآ على الدخول في النوايا وشكرآ عاقل كلام منطقي جدا لاغبار عليه يستحق ان نقف عنده ونمحصه ونطبقه ابو عبد العزيز -- بريدة الدكتور تركي الحمد الله يكفيك شر الأشرار والحاقدين .... فسر بدربك وفقك الله ... ومهما قال عنك المرجفون منى استاذ تركي............ أتفق معك في ان التقنين هو الحل الامثل والذي سيعمل على توحيد الأحكام القضائية لكافة المحاكم والذي من خلاله يتحقق اعلام الاحكام قبل تطبيقها ... وازيد على ذلك ان الحكم المقنن ليس هو حكم ثابت لايقبل التعديل بل هو ايضا قد يحتاج للتغيير او بمعنى اصح للتعديل عند الاجتهاد وفق تغيير الظروف التي تقتضي المصلحة والتي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية فالتقنين هو ايضا عمل بشري يحتمل الخطأ والصواب .......... صالح عبد الله الاستاذ تركي .... انا اتفق معك في مقالك من الناحية النظرية اذ انها نظريا تعجب من يقرءها ... ولكن عندما اريد تطبيق هذا الكلام اجد انه من الصعوبة بمكان لأن الأحكام التعزيرية تختلف بحسب الفعل إذ ان لكل قضية اسبابها وضروفها واحوالها الخاصة مما يجعل امر التقنين امر صعب ويستحيل والشريعة جاءت بالحدود الواضحة ووضعت القواعد والأطر في التعزير .. فأجد الأمر في التعزير واضح وبين ... وبالنسبه لأختلاف الأحكام بين القضاه بسبب اختلاف جذور القضية ......... ... فهل نحكم على كل من يتجاوز الاشارة الحمراء كالشيخ كبير أو من يتجاوزها بعد أن يتأكد بخلو الشوارع الأخرى أو شاب متهور يتجاوزها بسرعته العاليه معرضا نفسه وغيره للخطر بحكم واحد دون فرق ... لاشك ان ذلك الشاب يستحق العقوبة القاسية الرادعة له . بخلاف البقية .وهذا مثال بسيط متفكر مرحبا فيك أبوطارق شكراً عاجل على هذه الخطوات المتقدمة واحد رد سأترك تعرية السطور ( تقديراً لقرصة البرد، وهي تزداد عند البعض ) وتصادم الجمل تركها من أجل ( سمنة ) الموضوع أدهن لعيون القارئ، وذاك أجمل. أيه الكاتب المجتهد، والمعترف بأن الاجتهاد يحتمل الخطأ والصواب.، قالوا التقنيين وضع بشري وفيه باب الاجتهاد فإذا فيه باب الاجحاف بالحقوق(رد) ربما تكثيف الرقي بالقضآة وإشعارهم بأنهم تربويون قبل أن يكونو انتقاميون لأصحاب الحقوق العام والخاص. فالاجتهاد لدا الفقيه العاقل الواعي الحاوي للدليل، المربي المراعي للطبيعه الاجتماعية.. خير من قاونين جافه تدمر العاطفة الطاهرة وتجعلنا ك الآلآت حمد التركي الأخ تركي ماذا تريد أن تقول هناك رسالة بين السطور في مقالك هذا تقول لنبدأالعمل بالقانون دستورا لنا .. أسأل الله لنا ولك الهداية سليمان الذويخ السلام عليكم جميعا ما نراه اليوم في الأحكام وتعددها لقضية واحدة هو ما يستدعي النظر بجدية في موضوع تدوين الأحكام ... نجد مثلا .. واقعة معينة يصدر عليها هذا القاضي حكما ويصدر ذاك حكما مغايرا !!! لماذا يحدث هذا ؟! اليس بسبب عدم تدوين الأحكام؟ تدوين الأحكام يا جماعة ليس هو القانون الوضعي ابدا .. لنتنبه لهذه النقطة .. القانون الوضعي ببساطة هو ان تعتمد ما سنه الخلق من تلقاء انفسهم .. ولنأخذ مثلا .. السنا نرجع للمغني لإبن قدامة ونستنبط منه احكام الصلا والطهارة مثلا !!! هل معنى هذا ان ابن قدامة هو المشرّع ؟!! ابدا فهو الذي دون الحكم والشروط وصفة الوضوء ...الخ اذا لماذا لا ندون القضاء واحكامه ؟ مجلة الأحكام العدلية .. والحديث عنها يطول لم تلق النجاح لأسباب معينة يعرفها المؤرخون.. اليوم ومع المستجدات نجد انه لزاما ان تدون الأحكام ليعرفها القضاة ويعرفها المحامون فيكونواعلى بينة ويعمل بنظام السابقة القضائية ليرتاح الناس وليعم العدل فالقضاء ليس حقل تجارب لهذا القاضي او ذاك مما يجعل الناس تقدم على المحاكم وكأنها ذاك السرداب المظلم الذي لا تعلم ما يواجهك فيه ... الدستور هو كتاب الله وسنة نبيه الشارحة الموضحة له ومذهبنا الحنبلي او ما يناسب من ما يراه علماؤنا ... وهذا لا غبار عليه اما ترك الأمور لإجتهادات متباينة فهذا يسىء كثيرا للعدل الذي هو اهم صفات ديننا الحنيف وفق الله الجميع الحربي بالفعل كلام منطقي جدا خصوصا عندما لا تكون هناك آلية واضحة لأختيار القضاة وبالتالي وصول أناس غير مؤهلين لتولي مثل هذه المسئولية العظيمة ثم ما المانع من وجود النص على الجريمة ومقدار عقوبتها وأخذها من الشريعة الإسلامية ؟؟؟ للكاتب تركي الحمد _ أول مرة أتفق معك محمد البريدي شكرا استاذي الكريم على طرحك لمثل هذه القضية التى سبق ان طرحت من قبل لكن تناولك للموضوع بشكل مختلف عمن سواك لانك متفرد برصدك وتحليلك للمواضيع التى تطرحها. . . . . ومما يجدر الاشارة به هنا انه لابد من التقنيين كي لانكون عرضة لاأمزجة ونفسيات وظروف وتفكير ومنطلقات قضاتنا الاعزاء ... فالقضاء لدينا يعاني من تفاوت كبير بالاحكام فهو بنظري اغرب قضاء بالعالم . . . وانا هنا لابد من اشير الى ان القانون الوضعي يطبق نوعا اكبر من العدالة مقارنة مع مايحصل بمحاكمنا واحب ان اوكد ان التفاوت ليست بمسؤلة عنه شريعتنا السمحاء بل هو العقل المسفر والمطبق لتلك الشريعة الذي يمثله بالطبع قضاتنا الاعزاء . . . وفي الاخير بارك الله فيك استاذي الكريم ودمت لمن تحب مستشار قانوني عبارتي ( القانون ، النظام ) مترادفتين ومع ذلك مجتمعنا يشعر بحساسية مفرطة تجاه عبارة القانون بينما يستسيغ عبارة النظام . والسبب هو فهمنا الخاطئ بأن كل قانون وضعي فهو بالضرورة يعارض أحكام الشريعة . متناسين أن المصالح المرسلة لايمكن تنضيمها إلا بقانون يصدر عن الحاكم . وتقنين أحكام الشريعة الإسلامية العدلية لايخرج عن إطار تنظيم مصالح العباد . من خلال النظر في المسائل ذات الإختلاف والإجتهاد واختيار أصلح هذه الإجتهادات وأنسبها ومن ثم تدوينها لتتوحد اجتهادات القضاة على ضوئها . وهذا التدوين هو نتاج بشري في نهاية الأمر ويخضع أيضا للنظر والتعديل وفق ماتقتضيه المصلحة . لأن التفاوت في الأحكام في المجتمع الواحد نوع من الظلم الذي يجب إزالته . والله تعالى أعلم ابو عبد الرحمن قرأت المقال وتأملت واقع الدول الأخرى وخاصة الغربية المتقدمة قانونيا كفرنسا وبريطانيا فضلا عمن دونها كالولايات المتحدة فوجدت أن التقنين لم يحد من اختلاف أحكام القضاة ولم يكن يوما مساعدا على سرعة البت في القضايا كما يصورها الداعون للتقنين فالقضية في هذه الدول تمكث سنوات حتى تكتسب القطعية وهذا هو الأصل عندهم سنوات في المحكمة الابتدائية وسنوات في الاستئناف وسنوات في المحكمة العليا بينما أقولها بحق القضاء عندنا سهل وميسر للجميع وفي أكثر المحاكم يتم البت في القضايا في وقت وجيز جدا فتجد أن أكثر من 75% في المائة من القضايا انتهت في جلسة واحدة فقط وهذا من المستحيل حصوله في الغرب لأنه يخالف مبدأ قانونيا عندهم وهو أن ( تأخير البت في القضايا أصل من أصول العدالة ) هكذا عندهم بينما عندنا لا وأنه يجب البت في القضية متى بان الحكم فيها وظهر ولو في جلسة واحدة نعم هناك قضايا يستمر نظرها سنوات ولكن لو نتأمل فيها نجدها لم تتجاوز ساعات وإنما السبب هو كثرة الجلسات بسبب الكم الهائل من القضايا خاصة في المدن الكبرى كالرياض ومكة وجدة والمدينة وغيرها أما القانون الجزائي فلا يوجد قانون يحدد بالضبط عقوبة معينة على جرم معين هكذا باطلاق بل لابد من استثناءات وفتح الباب أمام اجتهاد القاضي انظر على سبيل المثال تقنين عقوبة غسيل الأموال وتقنين عقوبة المخدرات عندنا تجد فيها مواد تفتح للقضاة أبوب التفاوت في الأحكام وهذا أمر لابد منه لاختلاف الحيثيات والوقائع وكثرة السوابق وما احتف بالقضية من أمور أخرى فليس من العدل أن يتساوى رجل من أرباب السوابق مع رجل يرتكب الجرم لأول مرة أما مسألة تقينين جميع الجزئيات فهذا من باب المحال ولا يوجد في أي دولة في العالم وأنا أتحدى وأقولها بكل ثقة أن يأتي أي شخص بدولة واحدة في العالم أجمع يفيد أن التقنين حد من تفاوت الأحكام فيهاوهذا مستحيل بدليل وجود محاكم النقض في جميع دول العالم فلو كان التقنين سيحد من التفاوت لما نقضت كثير من الأحكام الصادرة فيها والله الموفق للصواب