وحدة أليمة لا يؤنسه فيها سوى ذكريات قديمة تطوف حول منزله المتهالك في حداء غرب مكةالمكرمة، ويجلب الماء بواسطة جوالين مهترئة. في هذا الفلك تدور حياة مطلق علي المعبدي 63 عاما، بعد أن ضاقت به الدنيا وطلق زوجته التي انتقلت للسكن إلى جوار أشقائها. ولملء الفراغ الذي يحتويه في معظم الأحيان، يجدد طلاء منزله الذي لا يستطيع تغيير أثاثاته البائدة، ويتفنن في تنسيق ألوانه ووروده بطريقة لافتة. ولعدم وجود خزان للمياه في منزله، وعدم قدرته على شراء حنفية بمبلغ 200 ريال، يحمل «جراكل» الماء على ظهره إلى محطة للماء تبعد عن منزله بنحو كيلو مترين، وبمساعدة أحد الجيران أحيانا. يروي المعبدي في نبرات حزينة وصوت أنهكه المرض: «كنت متزوجا من ابنة عمي التي أنجبت منها سبعة (خمسة أولاد وبنتان)، ولكن لظروف الفقر وعدم قدرتي على توفير طلباتهم، أجبرت على طلاقها» وبعد طلاقها أصبح هو من يطبخ ويعد الطعام لنفسه في مطبخه الصغير، ويستمتع بذلك فأكل المطاعم كما يقول لا يعجبه. المعبدي لم ينس أبناءه حيث يزورهم من وقت لآخر، كما أن أبناءه يحرصون على زيارته وتفقد أحواله، إلا أن ظروفهم تجبرهم على ألا يكونوا معه على الدوام. يقول: كان راتبي في الشهر الواحد 1400ريال، أصرف معظمه على احتياجات أبنائي بحيث لا يتبقى منه شيء لشراء سيارة، ولذلك كان الجيران يساعدوني في نقل أي من أفراد أسرتي إلى المستشفى أو غيره. ويستعيد المعبدي مسيرة حياته العملية قائلا: كنت أعمل معقبا في مؤسسة أهلية في جدة، وأظل واقفا منذ الصباح الباكر على طريق حداء في انتظار سيارة تقلني إلى مقر عملي مقابل خمسة ريالات وأعود بمثلها. والآن أعيش بدون مكيفات في كل حيوية ونشاط، أنام مبكرا وأصحو مبكرا، ومن فضل الله لم أزر في حياتي أي مستشفى بداعي المرض، فأنا أتعشى خفيفا وأحرص على تناول البر والعسل والسمن البري، فيما أقضي جل وقتي في القراءة ومشاهدة القنوات الفضائية وأحرص على أداء الصلوات الخمس في المسجد المجاور لمنزلي، وأحلم أن يرزقني الله بامرأة أخرى تؤنس حياتي وتتحمل ظروفي المادية.