الحوار الوطني بمنطق التحليل هو مفهوم مركب من ثنائية الحوار والوطن، والمفاهيم المركبة هي مفاهيم تتبادل التأثير فيما بينها أخذا وعطاء، الأمر الذي يقتضي النظر إلى عنصري المفهوم من الجهتين في إطار العلاقة المتبادلة بينهما. وعلى هذا الأساس يكون النظر تارة إلى الحوار من جهة علاقته بالوطن، وتارة يكون النظر إلى الوطن من جهة علاقته بالحوار. والنظر إلى الحوار من جهة علاقته بالوطن يعني ضرورة أن يلتزم الحوار بثوابت الوطن وضروراته ومقتضياته، وأن لا يخرج عليها أو يتجاوزها أو يتخلى عنها تحت أي ظرف من الظروف، وفي أي حال من الأحوال. ومتى ما خرج الحوار عن هذه الثوابت والضرورات والمقتضيات التي تفرضها العلاقة بالوطن، تسلب منه صفة الحوار الوطني، ولا يصدق عليه صفة الحوار الوطني. وهذا يعني أن الحوار الوطني هو الحوار الذي يتخذ من الوطن إطارا مرجعيا ثابتا. والنظر إلى الوطن من جهة علاقته بالحوار يعني ضرورة أن يتسع الحوار باتساع الوطن ويستوعب ويشمل الوطن برمته، وتتجلى فيه صورة حوار الوطن مع ذاته بكل مكونات التعدد المجتمعي بدون تهميش أو إقصاء أو تغييب. وحين لا يتسع الحوار ويستوعب جميع مكونات التعدد المجتمعي فإنه تسلب منه صفة الحوار الوطني، ولا يصدق عليه هذا الوصف بالمعنى الحقيقي. وعلى هذا الأساس وبمنطق التركيب يمكن القول إن الحوار الوطني هو الحوار الذي يتخذ من الوطن إطارا مرجعيا ثابتا هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو الحوار الذي يتسع باتساع الوطن، فهو حوار الجميع مع الجميع لاكتشاف الجميع من أجل مستقبل الجميع. وعلى ضوء هذا المعنى فإن الحوار الوطني يعزز مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح، لأنه من جهة يطلق طاقة الحوار وهي طاقة خلاقة ليتسع الحوار باتساع الوطن، والحوار له إمكانية أن يتسع باتساع الوطن ويصل إلى الفئات الاجتماعية كافة، ويستوعب التنوع المجتمعي الذي يمثل مكونات الوطن. ولأن الحوار الوطني من جهة أخرى يتخذ من الوطن إطارا مرجعيا ثابتا الأمر الذي يجعل الحوار يتسم في نظر الجميع بالجدية والمسؤولية، وذلك تعبيرا عن التمسك بالوطن وبالوحدة الوطنية التي لا يجوز التفريط فيها. وكلما اتسعت رقعة الحوار ومساحته كلما تعززت مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح، لأن الحوار بطبيعته وثيق الصلة بهذه المفاهيم. وذلك لأن الحوار يساعد على اكتشاف الآخر المختلف، وعلى تقبل الاختلاف والرأي المغاير، ويقرب وجهات النظر، ويجعل المجتمع يتعرف على بعضه، ويزيل رواسب الشكوك والظنون والمخاوف ومسببات الكراهية وسوء الفهم، ويشكل مناخا إيجابيا مريحا يشجع على التواصل والانفتاح، الأمر الذي يكون من المقنع جدا القول إن الحوار الوطني بهذه الصورة بإمكانه فعلا تعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح. ومن الناحية المعيارية يمكن القول إن الحوار الوطني لا يكون حوارا وطنيا إلا إذا اتسم بسمات الوسطية والاعتدال والتسامح، فهذه السمات هي معيار في إعطاء الحوار صفة الوطنية، أو سلب هذه الصفة منه. وأساسا إن الحوار الوطني في أصالته هو حوار يتسم بهذه الخصائص لأنه يكون ناظرا إلى الوطن، وتغليب مصلحة الوطن، وترجيح ثوابت الوطن، ويقدر مصلحة جميع المواطنين على قاعدة المساواة في حق المواطنة. ونقيض هذه السمات هو التطرف الذي يقابل الوسطية، والتشدد الذي يقابل الاعتدال، والتعصب الذي يقابل التسامح، وكل حوار يتسم بهذه السمات أو أحدها لا يكون ولا يمكن أن يكون حوارا وطنيا أو يعطى له صفة الحوار الوطني.. وهذا يعني أن الحوار الذي يلغي الآخر لا يمكن أن يكون حوارا وطنيا. والحوار الذي يشجع على الكراهية لا يمكن أن يكون حوارا وطنيا. والحوار الذي تنبعث منه نزعات التطرف والتشدد والتعصب لا يمكن أن يكون حوارا وطنيا. والحوار الذي يثير الضغائن والأحقاد والفتن والنزاعات لا يمكن أن يكون حوارا وطنيا. وبالتالي فإن الحوار لا يكون وطنيا إلا إذا تجلت فيه سمات الوسطية والاعتدال والتسامح. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة