نحمد الله على أن ولاة أمرنا يبادرون بطلب تأصيل القضايا المحرمة والمجرمة، ومن ذلك قضية «الإرهاب» وأخطر أسبابه وهو «التمويل» وعلى رأسه «التمويل المالي»، كما يشكر مجلس هيئة كبار العلماء على هذا القرار، إلا أننا نتمنى أن يصدر قرار مماثل في وجه آخر من أوجه «التمويل» وهو «التمويل الفكري» الذي يعد أخطر من التمويل المالي، لكون جميع أنواع التمويلات المالية البشرية واللوجستية تنطلق من التمويل الفكري عبر التنظير له والدعوة إليه والتحريض لأجله. ولعله يصدر به نظام خاص أسوة ببقية الأنظمة التي غطت الكثير من الأفعال الجرمية، لتقرير العقوبة المستحقة على مرتكب فعل التمويل سواء كان ماليا أو فكريا لاجتماعهما في علة واحدة وهي المساعدة على الفعل الإرهابي، بل إن المحرض والمجيش أشد خطورة، حيث لا يصبح الفعل في كثير من الحالات إلا تنفيذا لتلك التموينات الفكرية. فالتمويل المالي يأتي استجابة للتمويل الفكري الذي يدعو لما يزعمونه جهادا بالمال، والمنفذ عندهم مجاهد بالنفس، وعليه فالمنظر والمحرض عندهم هو المجاهد باللسان والبنان، فهي منظومة متكاملة وثالوث أحمر خطير، فالضلع الأول والأساس هو التنظير كممول فكري؛ لأنه المسبب للضلعين التاليين في التمويل المالي والتطبيق الفعلي، فلولا التنظير لما وجد التمويل والتطبيق، وعلى هذا فالتنظير يبنى عليه بقية الأضلاع التالية، وكما أن المتعاطي للمخدرات أقل خطورة من المروج، وكذلك المروج أقل خطورة من المهرب، فكذلك الممول الفكري هو في مقابل المهرب الذي لولاه لما وجد المروج والمتعاطي، وكما أنه روعي التخفيف على المتعاطين لكونهم ضحايا لمن مولهم بالمخدرات، فكذلك المروج لا يقتل إلا في المرة الثانية، وهذا بخلاف المهرب الذي يقتل من المرة الأولى، وكذلك هنا المنظر فهو الممول الأساسي للعملية الإرهابية، فالممول المالي يعتمد على فتوى وتنظير الممول الفكري، والمطبق للفعل الإرهابي يدفعه المنظر كذلك. ومن جهة أخرى، فالتمويل المالي قد يأتي من أي جهة أو فرد هنا وهناك، لكن التمويل الفكري لا يأتي إلا من فئة علمية متخصصة ولو كانت متعالمة، ولذا فمن ناحية الخطورة فهو الأخطر، ومن ناحية الاعتماد فهو الذي يبنى عليه الفعلان التاليان وينطلقان من تنظيره، ومن ناحية العدد فمحدود في فئة معروفة، وعلى ذلك فيجب الاهتمام والتركيز على المنشأ الفكري والمصنع التنظيري من باب أولى؛ لكونه المفرخ لتلك التمويلات المالية والكوادر الإرهابية. فالتمويل يشمل الأنواع الثلاثة، التمويل الفكري بالتنظير لمشروعية المراحل التالية من تمويل مالي وبشري، والتمويل المالي يشمل جميع الأدوات والوسائل الموصلة لتحقيق الفعل الجرمي، والتمويل البشري يشمل جميع التجنيد والتدريب والموارد البشرية التي تقوم بتنفيذ تلك الأفعال الجرمية. * القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض