اعتبر شرعيون ومختصون، أن قرار هيئة كبار العلماء سيقطع كل صور تمويل الإرهاب، إذ أنه جاء صريحا بحرمة التمويل بأي وسيلة كانت، سواء بشكل مباشر أو غيره، مبينين أن القرار سينظم الجوانب المالية في العمل الخيري، حتى لا يستغل في إمداد الأيدي الآثمة لإعانتهم على باطلهم. وأكدوا في حديث إلى «عكاظ»، أن أهمية القرار تكمن في مواجهة الإرهاب؛ لأنه لا يمكن القضاء عليه حتى تجفف منابعه، لافتين إلى تعدد منابع الإرهاب التي تتصدرها المنابع المالية، فيستغل فيها المنحرفون فكريا محبة الناس للبذل في سبل الخير، ويأخذون أموالهم ليمولوا بها مخططات للتخريب في المملكة أو خارجها، فيذهب ضحيتها أنفس معصومة. وطالبوا في الوقت نفسه، بضرورة تجريم التمويل الفكري الذي يعد من أخطر أنواع الإمداد الإرهابي، مشيرين إلى أن ذلك يأتي بضبط الفتاوى الصادرة من بعض الجهات وقطع التي تحمل التحريض على سفك الدماء وإزهاق الأرواح، معتبرين أن التنظير الفكري أحد الوسائل التي تفخخ بها العقول لتستخدم في تخريب الأوطان والمقدرات والممتلكات، وتكمن خطورتها في عدم ظهورها كأنواع التمويل الأخرى. وشدد المختصون على ضرورة تثقيف أصحاب الأموال بخطورة دفعها لصالح جهات مجهولة، موضحين أن الاكتفاء بالعدالة الظاهرة لمن يطلب الدعم المادي، لا يعفي المتورط من المسؤولية.. فإلى التفاصيل: مضامين مهمة واعتبر رئيس مجلس الشورى الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، أن القرار وما يحمله من مضامين مهمة يأتي استكمالا لعدة إجراءات انتهجتها الدولة في سبيل تطويق الإرهاب وداعميه فكريا وتمويليا وحتى المتعاطفين معه، للقضاء على هذه الظاهرة التي لا تعترف بحدود الدين، ولا الأخلاق، فضلا عن الأعراف والمواثيق. وأوضح أن المجلس يعتبر القرار أسهم في المصلحة العامة للمملكة التي حققت على مدى السنوات الماضية نجاحات مشهودة في مجال مكافحة الإرهاب، أمنيا وفكريا وبات من الضروري معالجة ملف التمويل الذي يمثل عصب العمل الإجرامي والممهد للعمليات الإرهابية، حيث إن الممولين ليسوا أقل جرما من الإرهابي الذي ينفذ العملية على أرض الواقع. وأفصح آل الشيخ أن المجلس يؤكد على أن طرق الخير وأبواب التبرع المعهودة من مواطني المملكة كثيرة ومتعددة ولا يتقاطع قرار هيئة كبار العلماء مع التبرع للجهات المرخصة من قبل الدولة. كفر بالنعمة أما مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة الدكتور عياض بن نامي السلمي، فأكد أن من الكفر بنعمة المال إنفاقه في إعانة مجرم على جريمته وظالم على ظلمه، مبينا أن الواجب على الجميع التعاون والتكاتف لسد باب الفتنة ودرء الضرر الواقع والعمل على منع الضرر؛ لأن المال نعمة عظيمة يجب على من أوتيها شكرها، ومن صور ذلك أن يتحرى صاحبها مواضع إنفاقها فلا ينفقها إلا في موضع أمر الله أو أذن في الإنفاق فيه. واستشهد السلمي بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين روى عنه ابن عباس رضي الله عنه قوله «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيم أبلاه وعن ماله فيم أنفقه ومن أين كسبه». وزاد السلمي: «إذا عرفنا أن ترويع الآمنين، وقتل الأبرياء الغافلين، وتخريب المنشآت، وإتلاف الممتلكات، ونشر الرعب في الأسواق والطرقات، هي ملامح الإرهاب التي تفصله عن جهاد الشعوب المحتلة لدفع المعتدي على أرضها وخيراتها، فإن الإرهاب بهذا المعنى يشكل المال سداه ولحمته، ولذا فإن من يدفع المال لتحقيق رغبة هذه الفئة الضالة الباغية المعتدية يكون شريكا لهم في جرمهم، بل هو الشريك الأكثر أثرا وليعلم أنه ما من ذنب يقترفونه إلا كان عليه كفل منه فما من نفس يقتلونها أو قطرة دم يهرقونها أو مال يتلفونه أو بناء يهدمونه، إلا كان عليه من ذلك الجرم ما تنوء بحمله الجبال». وأضاف مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة «لقد سمعنا جميعا قرار هيئة كبار العلماء الذي أكد على هذا الأمر، الذي هو من الأمور القطعية التي لا تحتمل الخلاف، فكل مسلم مهما قل حظه من العلم يعرف أن دفع المال للجهات المشبوهة إسهام في تغذية الإرهاب وزيادة مدة بقائه وتكثير لمخاطره وتوسيع لدائرته». وأكد السلمي أنه «ينبغي أن يعلم أصحاب الأموال أنه لا يكفي في هذا الزمن الاكتفاء بالعدالة الظاهرة لمن يطلب الدعم المادي، ولا يعفيهم من المسؤولية أمام الله أن يقول طالب المال إنه سيجعله في مشاريع خيرية، بل يلزمهم التأكد من ذلك بالإطلاع على الأوراق الثبوتية الدالة على صدقه والوقوف على المشروع المطلوب دعمه بأنفسهم أو بواسطة من يعرفونه بالصدق والأمانة». واستشهد السلمي بقول الله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، مبينا أن من أعان على هذه الأعمال فقد أعان على الإثم والعدوان، واستشهد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». صور التمويل وأوضح مستشار وزير الشؤون الإسلامية المدير العام للتوعية العلمية والفكرية عضو لجان المناصحة الدكتور ماجد المرسال، أن تمويل الإرهاب له صور كثيرة ويمكن تلخيصها في أمرين، الأول الدعم المباشر للعمليات الإرهابية، مبينا أن هذا النوع أعظم إثما وجرما؛ لأنه يأتي عن قناعة وتعمد وإصرار على الإرهاب، كما أنه لا يفرق عن المنفذ للعمل الإرهابي. وبين أن الصورة الثانية للتمويل، تكمن في الدعم غير المباشر الذي قد يكون بلا وعي بحقيقة ما توظف فيه هذه الأموال، فيستغفل بأن هذه الأموال تقدم لأعمال خيرية وليست للإرهاب، ثم تصرف بعد استلامها في أعمال الإرهاب. وأفصح أن الخطأ في التمويل غير المباشر، يأتي من جهة عدم التزام المتبرع بالقنوات الرسمية الموثوقة، فيخالف الأنظمة ويقدمها لجهات مجهولة أو غير موثوقة. وأوضح أن المقصود بقرار هيئة كبار العلماء، هو التمويل المادي، بمعنى أن يقدم لهم أموالا أو أسلحة ونحوها مما يمكنهم من تنفيذ العمليات الإرهابية، كما يعني تنظيم الفتاوى وضبطها. وأكد المرسال أن القرار مهم في مواجهة الإرهاب؛ لأنه لا يمكن القضاء على الإرهاب حتى تجفف منابعه، مبينا أن منها المنابع المالية التي يستغل فيها المنحرفون فكريا محبة الناس للبذل في سبل الخير، فيأخذون هذه الأموال ويمولون بها مخططات للتخريب في بلاد الحرمين أو في غيرها، مما يذهب ضحيتها أنفس معصومة. وشدد المرسال على ضرورة التوعية بخطورة ترك القنوات الرسمية في التبرعات وبذل الخير، والتهاون في دفع الأموال لجهات مجهولة أو غير موثوقة، معتبرا أن القرار سيقطع العذر في مجال تمويل الإرهاب، إذ أن الدعم بحسب القرار محرم شرعا، كما يعتبر الممول شريكا للإرهابيين في جرائمهم. ولفت عضو لجان المناصحة، إلى أن قرار الهيئة سينظم الجوانب المالية في العمل الخيري، لكنه لا يغلق أبواب البذل في سبل الخير، كما يمكن لكل محسن أن يتبرع ويبذل ما شاء من ماله وفق القنوات الرسمية والجهات الموثوقة والتي لديها إمكانات وإجراءات تمنع صرف الأموال في غير ما خصصت له، وتحقق للمنفقين الإشراف الكامل على هذه الأموال حتى تصل المستحقين لها. وبين أنه يبقى دور التوعية بهذا الموضوع لعموم الناس، حتى نصل إلى المستوى المطلوب في ما يتعلق بتنظيم الجوانب المالية في الأعمال الخيرية. التمويل الفكري وأكد القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض الدكتور عيسى الغيث إلى أن قرار الهيئة سيكون بموجبه كل عمل إرهابي يضرب أيا من الأماكن العالمية، هو عمل مرفوض ومجرم، مبينا: وإن كان القرار الصادر عن الهيئة قد نص على تجريم تمويل الإرهاب، وشدد على خطورته، واعتبر الممول شريكا في الجرم، إلا أنه يشمل من باب القياس جميع أنواع التمويلات التي تؤدي إلى نفس النتيجة، معتبرا أن القرار مهم وغير مسبوق لناحية تجريم الإرهاب، ويدل على محاربة الإرهاب وتجريمه بكافة أنواعه وصوره، بما في ذلك تمويله. وبين الغيث أن تحديد عقوبة محددة لممولي الإرهاب مشمول بباب التعزيرات الشرعية، ولعله يصدر به نظام خاص أسوة ببقية الأنظمة التي غطت الكثير من الأفعال الجرمية، لتقرير العقوبة المستحقة على مرتكب فعل التمويل، سواء كان ماليا أو فكريا لاجتماعهما في علة واحدة وهي المساعدة على الفعل الإرهابي، بل إن المحرض والمجيش أشد خطورة، حيث لا يصبح الفعل في كثير من الحالات إلا تنفيذا لتلك التموينات الفكرية. وأوضح القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض، أن التمويل المالي يأتي استجابة للتمويل الفكري الذي يدعو لما يزعمونه جهادا بالمال، والمنفذ عندهم مجاهد بالنفس، كما أن المنظر والمحرض عندهم هو المجاهد باللسان والبنان، فهي منظومة متكاملة وثالوث أحمر خطير، فالضلع الأول والأساس هو التنظير كممول فكري؛ لأنه المسبب للضلعين التاليين في التمويل المالي والتطبيق الفعلي، فلولا التنظير لما وجد التمويل والتطبيق، وعلى هذا فالتنظير يبنى عليه بقية الأضلاع التالية، وكما أن المتعاطي للمخدرات أقل خطورة من المروج وكذلك المروج أقل خطورة من المهرب، فكذلك الممول الفكري هو في مقابل المهرب، الذي لولاه لما وجد المروج والمتعاطي. وكما أنه روعي التخفيف على المتعاطين لكونهم ضحايا لمن مولهم بالمخدرات، فكذلك المروج لا يقتل إلا في المرة الثانية، وهذا بخلاف المهرب الذي يقتل من المرة الأولى، وكذلك هنا المنظر فهو الممول الأساسي للعملية الإرهابية، فالممول المالي يعتمد على فتوى وتنظير الممول الفكري، والمطبق للفعل الإرهابي يدفعه المنظر كذلك. وزاد الغيث: «من جهة أخرى، فالتمويل المالي قد يأتي من أي جهة أو فرد هنا وهناك، لكن التمويل الفكري لا يأتي إلا من فئة علمية متخصصة ولو كانت متعالمة، لذا فمن ناحية الخطورة فهو الأخطر، ومن ناحية الاعتماد فهو الذي يبنى عليه الفعلان التاليان وينطلقان من تنظيره، ومن ناحية العدد فمحدود في فئة معروفة، وعلى ذلك فيجب الاهتمام والتركيز على المنشأ الفكري والمصنع التنظيري من باب أولى؛ لكونه المفرخ لتلك التمويلات المالية والكوادر الإرهابية». وتابع الغيث: «لو نظرنا لجرائم استهداف الموارد العامة، والإفساد، وخطف الطائرات، ونسف المباني، والاغتيالات، والتفجيرات، وغيرها، لظهر لنا أن المنظر الفكري هو الذي أجاز هذه الجرائم، بل ودعا إليها وحرض من أجلها وجيش المراهقين لتنفيذها، فالممول يمكن تغييره بغيره والمنفذ كذلك، ولكن لا يمكن قيام أي عملية إرهابية بلا تنظير، لأنها ليست بدواع شخصية ومنطلقات فردية، وإنما بدوافع عقدية وفكرية لا يقوم بها إلا أهلها المتخصصون، وعليه فهم أول المسؤولين بشأنها». وأوضح القاضي في المحكمة الجزائية، أن الممول ينطلق من فتوى المنظر ويتقرب بعمله هذا إلى الله بزعمه، كما أن المنفذ ينطلق من فتوى المنظر ولسان حاله يقول: «وعجلت إليك رب لترضى)». وبين الغيث، أن التمويل يشمل الأنواع الثلاثة، التمويل الفكري بالتنظير لمشروعية المراحل التالية من تمويل مالي وبشري، والتمويل المالي يشمل جميع الأدوات والوسائل الموصلة لتحقيق الفعل الجرمي، والتمويل البشري يشمل جميع التجنيد والتدريب والموارد البشرية التي تقوم بتنفيذ تلك الأفعال الجرمية. كما أن التمويل يشمل كل الصور والوسائل التي بمجموعها تشكل العملية الإرهابية، ويدخل فيها الإيواء والمعاونة بشتى أنواعها والتستر على جميع الثالوث ومناصرته والدفاع عنه والتبرير له، فجميعهم شركاء في الجريمة، من باب قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من آوى محدثا»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا». وأوضح الغيث أن من باب سد الذرائع إلى المحرمات، يجب سد ذريعة الفتاوى التي يزعم أصحابها ومناصروها أنها قد فهمت بغير ما أريد لها، مع أن صدور أي فتوى لها دلالة ظرفية مكانية وزمانية وليست درسا علميا نظريا ليس له علاقة بالواقع المعيش، ومن ثم فالزعم بأنها لا تعني الموجودين في نفس المكان والزمان، فهو من باب اللغو والاستغفال الذي قال عن مثله الفاروق رضي الله عنه: «لست بالخب ولا الخب يخدعني». وأشار الغيث إلى نماذج وقف عليها شخصيا على من قاموا بالتكفير والدعوة لتنفيذ مقتضيات الفتوى على فلان من الناس، في حين يزعم المدافعون عن تلك الفتوى بأنها لا تقصد أناسا بأعينهم ولا تشمل ما يرد على الأذهان أنهم هم المقصودون، وعلى هذا فيرد التساؤل لتلك الفئة التي خاب ظننا فيهم واستكثرنا صدور ذلك منهم لنسألهم: هل صدرت هذه الفتوى للقطب الجنوبي أم لعصر لاحق، وأينكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنصر أخاك ظالما أومظلوما، فقال رجل: أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟، قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره»، فالاصطفافات الحزبية لن تلحق بنا في قبورنا ولن تقف في الدفاع عنا يوم الحساب.