- أول دولة أسافر إليها في حياتي مندوبا لصحيفة المدينة في نهاية الربع الأول من عام 1985 كانت الهند، وهكذا صدفة لاحظت في الهند بلاد العجائب، أول تمثال عملاق للمهاتما غاندي. ولم أكن قد سافرت من قبل ولا عرفت بالمعاينة شيئا ولكن الأستاذ غالب حمزة أبا الفرج أطال الله في عمره إذا كان حيا، ورحمه الله إذا صار إلى ما سوف جميعا نصير إليه التقاني صدفة هكذا أذهب وأجيء متناولا القليل من شاي الخمسين في ممرات الصحيفة، وكان يعمل رئيس تحرير لصحيفة المدينة وقتئذ، وفجأة استدعاني إلى مكتبه وقال لي «هل لديك استعداد أن تذهب إلى الهند»؟، ولاحقا عرفت من مدير مكتبه أنني سوف أذهب مراسلا لتغطية مؤتمر عدم الانحياز الذي لم يكن تماما قد انحاز بما فيه الكفاية ولفظ أنفاسه بعد. - ولكن المشكلة أنني لم أكن قد سافرت مطلقا من قبل، ولم أكن برفقة زمالات سعودية أتدرب من خلالهم على كيفية الوصول إلى الأماكن وبطريقة أو أخرى، هكذا وصلت وعملت وفجأة في ظروف أيام قلائل نفدت كل مدخراتي، وقلت يا رب ماذا أفعل .. أنا طفران. كانت الاتصالات بالصحيفة وقتئذ متعثرة وصعبة وغالية الثمن أيضا، ولا أدري كيف اهتديت إلى السفارة، وفوجئت أن السفير نفسه يرعاني بعهدة أبوية، ولم يتركني هكذا سدى، وكان وقتئذ يسكن في فندق رائع اسمه فندق «آشوكا». وأحسست من خلال أحاديثه معي أنه يتفهم ظروفي ويقول لي من غير أن يقول ذلك فعلا «لا أريدك أن تضيع هنا». كنت في سنة أولى صحافة، وفي اليوم التالي فوجئت أن هذا الرجل الفاضل ينقذني بالفعل، فقد أسقط عني كل استحقاقات فندق «كانيشكا» .. وعندما عدت إلى جدة، كنت قد جلبت بفائض المال كتبا كثيرة جدا عن الهند، فقد وضع الرجل ألف وخمسمائة دولار تحت تصرفي، وكدت أجن لولا قليل من التركيز، وقال لي إنه يقدر حياة الصحافي السعودي، وسوف يدعمني إذا احتجت إلى المزيد، وهكذا تنفست الصعداء، ولم أغادر الهند، فقد بقيت لتغطية مؤتمر دولي آخر من نوعه يتناول مكافحة الجريمة، وأحسست بفضل الله ثم بفضل دعم هذا الرجل السخي أنني نموذج لمهراجا سعودي فاخر من نوعه، والواقع أن فؤاد صادق مفتي (تغمده الله برحمة منه ورضوان وعموم موتى المسلمين) لم يكن سفيرا فحسب وإنما كان يمثل المواطن السعودي الممتلئ مودة وتقديرا لمواطنيه في الخارج قلبا وقالبا، وشخصيا لو لم يساعدني هذا الشخص في بداية حياتي بوقوفه معي شفافية وإسنادا، لما تمكنت من البقاء هكذا قائما، ولربما فصلتني الصحيفة أثناء عودتي، ولكن وقوفه معي جعلني أحس بما فيه الكفاية أنني في يد أمينة تدفعني إلى الأمام كي لا أتعثر في أول سنوات المهنة. يشهد الله وحده أنني أستشعر الآن، وبعد مضي ربع قرن من الزمان لمسات هذا الرجل أثناء اغترابي وهي تضيء من أجل مساعدتي كيما على قدمي أقف. لقد كان يعرف وكأنه يقرأ أفكاري أنني لا أريد أكثر من الوقوف، وهكذا أحسه الآن بملامحه ونبرات صوته وكأنما هو يقول لي «لا تخف.. أنت من رعايانا، ولن ندعك تسقط»! يا شيخ ربنا يجعلها في موازينك ويزيل جميع أحزانك. تغسلك ملائكة الرحمة بماء وثلج وبرد، ويحفظ لك ذراريك وعيالك. أدعو لك ربنا يا فؤاد بن صادق، صلواتي جدا قليلة ولكني في دعائي صادق، من يدري .. «مش ممكن أكون مجاب دعوة في ملكوت الله» من يدري، أقلها الرجال في عهدة ربنا، وربنا هو اللي يسمعني! للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة