انتبهت لأحد أصدقائي الصحافيين، وهو يحاورني من خلال هاتف العزيزة «عكاظ» بكوني لم أكتب شيئا عن العيد. انتبهت للرجل وقلت صحيح هو ذا العيد يأتي، وكان السؤال غير المعلن داخل ذهني كيف أحصل على خروف مليح. بدا ذهني مشوشا جدا على إثر انشغالي في مراجعة وتدقيق وخدمة ما لا يقل عن بضعة عشر كتابا على مدى أيام قلائل. عدت إلى ذاكرتي بعد نهاية المكالمة لكي أعرف كيف افتكرت الخروف ونسيت العيد .. للوهلة الأولى اكتشفت أن العوارض المتكررة للتشويش هي انعكاس لتأثر الإنسان بواقعه الذي يعمل فيه ومن خلاله. إذا كنت تعمل مثلا في دائرة للادعاء العام أو الشرطة فثق أن الأسئلة النمطية التي يوجهها المحقق سوف تفضي به ذات يوم ولو في نهاية الخدمة إلى أن يتحدث مع نفسه قائلا يا إلهي «لا يوجد برئ واحد، وهل يعقل أن هؤلاء الناس أشرار». لن أقول أن البعض من هؤلاء الموظفين سريع التأثر بالتقاط شيء من عوارض القولون .. ولكن الانعكاس الوظيفي يختلف مثلا عن موظف يعمل مدربا لطاقم مضيفات ولا علاقة له بجناية ولا تحقيق. سوف تجد موظفا على هكذا نحو رائع بكل مواصفاته .. أعتقد أن هناك تبادل «الكترو حيوي» من نوعه بين الإنسان وبيئة عمله .. ومن هنا يتأثر الإنسان بالارتجاع المعنوي لما يؤديه من وظيفة .. وعن نفسي ومن غير قصد طبعا وجدت أنني راجعت ما لا يقل عن ثلاثة أيام بضعة عشر كتابا، ناهيك عن الترجمة بتصويبات وإعادة صياغة .. وليست القضية في الكتب وإنما في «مواضيع» تثيرها الكتب وأشهر تلك الكتب التي تحصلت عليها عشوائيا كتاب «الحزن المعاش» لأحدهم فقد زوجته وقرف حياتي بأحزانه، ولم أعرف بعد أن تقدمت ماذا أفعل: هل أصبر أو أبحث عن بديل آخر .. قلت لنفسي دعها ترقد في رعاية الله، وهكذا وضعت يدي على كتاب آخر فوجدت أنه يتناول غسيل الدماغ داخل المعتقلات مثل جواتانامو ومعتقلات سرية أخرى ولم أتمكن من العودة إلى الوراء. فوجئت في اليوم نفسه أنني رشحت كتابا آخر عن طريق الخطأ .. فقد كان الأخير يتناول الانتحار البيئي وقصة الانتحار البيئي هو اصطلاح لم يكن معروفا إلا مع دخول عام 1932 وطبعا المؤلف صنع من الحبة قبة، فقد قال الناس أكلوا ربع الثروة السمكية في العالم، وقال لا توجد غابات وأحسست أن غابات العالم أحترقت مع العلم أن قلبي أخضر جدا وهكذا ثارت البراكين وأحسست أنه يمكن لتسونامي فيما لو اندفع بقوة أن يغمر كل الشواطئ التي يصادفها في طريقه، وتذكرت أنه ذات مرة وصل مدينة «المهرة» في اليمن، وقلت بلغة غير معلنة «لن أذهب إلى الكبائن من عدمه». شخصيا أعتبر المؤلفين خصومي، فهم يدمرون معنوياتي. تناولت قليلا من الشاي، وسحبت عن غير قصد كتابا اسمه «سياسة الخوف» .. فأرجعته بسرعة وكتبت على ورقة مؤجل إلى حين. حاولت تعويض المؤجل فوجدت أمامي كتابا آخر أسمه «الفقر في أمريكا» وهو تحديدا برؤية نقدية يتناول العام 2009 وقد كتبه واحد بروفيسور أمريكي في علم الاجتماع وقلت اللهم استر، فاذا جاع الأمريكان ماذا يأكلون .. وآخر ثلاثة كتب تتناول بحثا اسمه علم اجتماع الانتحار وكتابا آخر عنوانه مشكلة الألم والثالث يتناول الغرباء في أوكلاهوما.. وفي الكتاب الذي قبل غرباء أوكلاهوما القليل من شغل الفلسفة ولكن الكاتب أسعدني فقد قال أنا مؤمن ولو لم أكن مؤمنا لربما انتحرت من معاناة الألم، وتذكرت فيلسوفا ألمانيا قال ذات مرة «أنا أتألم.. إذن أنا موجود»، فالألم يولد الإحساس وهو أساس الحياة، ولكن الألمان من خلال بعض المشاهد التجريبية ابتكروا الولادة من غير ألم، واكتشفوا لاحقا أن الأم التي تلد من غير ألم تفقد تجاه أبنائها بعض دواعي الحنان، وهم أيضا يفقدون بعض قدرات الطاعة ورد الجميل. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة