إذا كنت الآن شابا، فصدقني سوف تجد نفسك ذات يوم تكبر وتكبر إلى أن تشيخ. وبعد أن تشيخ سوف تتخشب، وهذا ممكن جدا مالم توافيك الساعة التي لا تخطئ أحدا.. فتذهب معها طوعا أو كرها. هكذا سوف تذهب مثل نقطة ماء تنزل من الصنبور، إذ سريعا يكون مصيرها الاستقرار في مستودع لا يعلمه غير الله..!! حتى أنت لا تعلم الآن شيئا ولكنك غدا أو بعد غد قطعا سوف تدرك إلى أين .. وسوف ترى شريطا يعبر أمام عينيك فتراه وتعرف ماذا بداخله، وهم أيضا سوف يعرفونك.. لن تنكر شيئا ولن يساومك أحد على شيء !! صدقوني لا أدري الآن كم عمري، ولا أذكر شيئا عن الأيام الخوالي.. ولكنهم إذا قالوا شيئا بحسب السجلات المدنية، فليكن ما قالوا صحيحا، فهم في النهاية لن يمتلكوا أن يضيفوا يوما واحدا إلى حياتك، وكذلك أيضا ليس بأيديهم أن يحسموا يوما آخر من حياتي. لأول وهلة أحسست فيها بنضج كنت خائفا من فكرة الموت، وفي آخر ورقة من سنوات النضج، دفنت أبي بقرار مسبق منه وباختياره، لأنه هكذا قال لي: «إذا مت، تعال وأدفني يا ولد». تذكرته ذات ليلة قبل وفاته، ومن بعد أيضا لأنه قال لي ذات مرة: لا تعطني شيئا، ولكن «أذكرني». ترك لي رسالة شفهية لأنه كان أميا لا يكتب، وفي الوقت نفسه كان يقرأ كتاب الله ربنا قلبا ومن خلال المصحف هكذا يقرؤه ويحصي أنبياء بني إسرائيل قائلا عليهم السلام ويصلي كثيرا على سيدنا محمد النبي. أحسست أنني لأول مرة في حياتي يتيم، برغم أنني وقتئذ طفت مجيئة وذهابا نصف العالم، ولكنني أحسست هكذا أنني يتيم أيضا، وبيتم قضيت الليلة الأولى، وفي كل عام في العشر الأواخر «أفتكره» وأبكي مثل طفل يتيم، لأنه في صباي صبر كثيرا من أجلي، وبحسب وصيته قائلا: «أذكرني إليك ذات ليلة، فقط أذكرني ولا شيء». كان يعرف الكثير من الأشياء.. وذات مرة قال لي حقيقة إنه لا يعرف شيئا، وبدوري عرفت عنه القليل أيضا، ولم أكن أعرف عنه خارج نطاق الأبوة شيئا. قبل رحيله بسنوات قلائل جدا قال لي: صل معي وإلى جانبي، فصليت، وشرع يقرأ في صلاته بعد الفاتحة بصوت خاشع: «أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها» وبقي يقرأ ما يليها ويلي ما بعدها أيضا، هكذا بتأن وتحنان رويدا رويدا، وبشفافية الموقنين كان يقرأ.. ولاحقا عرفت أن الله أمات عزيرا، وبقيت أذكر داخل نفسي مستحضرا كلما مررت بهذه الآية، فقد سأل الله عزيرا بعد أن أقامه من الموت: كم لبثت يا عزير، فقال عزير يوما أو بعض يوم.. ولكن الله قال لعزير: إنه بقي ميتا مائة عام.. وهكذا علم عزير بعين اليقين أن الله ربنا جلت قدرته أراد بعثه وسريعا أعاده من غمرات الموت إلى الحياة. ولبعض من ذلك قلت لنفسي فيما كنت أيضا أقرأ الآية نفسها: إن حياتي وحياتك سوف تؤول إلى مستودع لا تستطيع قدرة أن تجلبنا منه غير قدرة الله، ولكنني في لحظة استدراك عدت بذاكرتي إلى الوراء قبل بضعة عشر عاما، فإذا بي قائم إلى جانب والدي أصلي معه، وما ركع الراحل كيما أركع وراءه أيضا، حتى استشعرت أن جوارحي بشفافية يقينا هكذا تذوب، وأحسست من داخل قلبي أنني بذكر الله نشوان. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة