«في غمرة ما بين يدي من عمل، وجدت نفسي أستمتع بسماع نغماتك الحلوة، وشعرت بها تحملني على «غيمة» جذلى تطوف آفاقا يجد الإنسان نفسه محروما منها في أكثر الأحيان، وقد لمست في كل كلمة وكل نغمة نبرة الصدق وعمق التعبير الذي يتمتع به كل فنان، ولا سيما إذا كان فنانا متعدد المواهب مثلك، قادرا على أن يجوب أوسع الآفاق ويبرع في الجمع بين الكلمة الرفافة شعرا والنغمة الملحنة موسيقى وأغنية». غازي القصيبي قامت الدنيا ولم تقعد عندما روى الزميل الإعلامي تركي الدخيل قصة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، مع الفنان محمد عبده عندما اصطحبه لتناول طعام الإفطار معه عام 1992. وما لا يعرفه كثر أن فنانا قبل أبي نورة كان يمتلك علاقة وطيدة مع علماء وفقهاء، بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك عندنا ألف كتبا في الفكر الإسلام، إنه الفنان والأديب والمفكر الإسلامي مطلق بن مخلد الذيابي صاحب كتاب «اللجوء الأعظم إلى الإله الأكرم»، الذي حظي بتصحيح من الشيخ ابن عثيمين، ومقدمة من الشيخ عايض القرني. يسكن الذيابي الذاكرة السعودية بإسهامات مهمة، جعلته ركنا أساسيا في بناء الحركة الفنية والإعلامية والثقافية في المملكة، وشكلت منتجاتها صورة سعودية خاصة في وقت مبكر بلقبه الشهير «سمير الوادي». تشكلت شخصية الذيابي وسط ظروف استثنائية، بين البداوة والفروسية والفنون العسكرية، ومجالس الثقافة والأدب العربية والأخرى التي اطلع عليها في وقت مبكر في حياتها عندما كان يسكن وأسرته الأردن. عاد الذيابي إلى وطنه محملا بكل الفنون التي رسمت على جدران ذاكرته، وحولها إلى أعمال حقيقية في مؤسسات رسمية متنقلا بين الجوازات والإذاعة، وأجهزة إعلامية نثر فيها إبداعاته وأفكاره السابقة للزمن الذي كان يعيش فيه. صافح فكر سمير الوادي أهل البادية والحاضرة على حد سواء، وسكن وجدان رجل الشارع السعودي عبر الأثير بحزمة من البرامج التي مازلت حية، كان أشهرها: من البادية، خاطرة، رحاب الإيمان، والنادي الأدبي. وقف الذيابي في مناسبات كثر حاملا المايكرفون شاعرا ومقدما ومذيعا، كان أشهرها بين يدي الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله. وأصبح الذيابي سفيرا للثقافة والأدب السعودي مع المؤسسين الأوائل عبر رحلات إلى دول عربية متعددة مشاركا في ندوات واحتفالات، كان يحضى فيها باحترام رفيع من شخصيات أدبية وسياسية. وشكل رحيل الذيابي عن الدنيا نموذجا للأمة التي تفتقد علما مهما من أعلامها وأمتلت الصحف والبرامج الإذاعية بقصائد الرثاء ورسائل الفقد، لشخصية سكنت قلوب الطيف السعودي باختلاف ألوانها وتوجهاتهم، فكان أيقونة الاتفاق، في زمن لم يكن لصرعات التيارات محل فيه.