الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    حديقة ثلجية    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مازلت أحترق ولن تتوقف مشاكساتي إلا بطلوع الروح
سجنوني ثقافياً ولا سقف عندي للنقد.. والتشهير بالفاسدين من أولوياتي .. عابد خزندار ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 26 - 03 - 2010

لا أشك مطلقا أن الرئة التي يتنفس منها عابد خزندار، والرؤية التي ينظر بها إلى الأشياء تخرج من فضاءات اللا مألوف وتختلف عن السياق العام. القلم الذي اعتاد أن يجف حبره أكثر مما يسيل نتيجة الإيقاف والإبعاد والسجن على مدى نصف قرن، ما زال يتكئ مع صاحبه على عكاز المجتمع ونبض المشاعر العامة. عابد اليوم شاب وارتخت مفاصله وبدأ رحلة المداعبة الثقيلة مع آلام المفاصل وضعف السمع. ولم يعد عابد الأمس متغنيا ومختالا يضع رجلا في الشانزليزيه وأخرى على نهر السين، لكنه ظل متمسكا باستقلاليته وجرأته ونزاهة موقفه الوطني مغردا خارج السرب. فارس المطارحات الشعرية في مدرسة (تحضير البعثات) يختلي بنفسه هذه الأيام، يحاول أن يستنشق هواء نقيا يجدد فيها صلاته بالآخرين. اعتبر فترة سجنه إضافة لتاريخه، موضحا أنه لم يكن ملحدا ولم يؤمن بالشيوعية ولا برموزها. قال إن الأدب لا ينمو في ظل الوزارات، وإن سقف نظام المطبوعات يجب أن يرتفع للتشهير بالفاسدين وأكلة المال العام. دعا إلى تخليد أعمال العلي والثبيتي، ووصف حداثة الغذامي وبنيويته ب(الميتة)، لكنه وقف متخندقا معه ضد تركي الحمد. اعترف بالموقف الإنساني لوزير الصحة الأسبق أسامة شبكشي معه رغم هجومه العنيف على وزارته مما أدى لإيقافه عن الكتابة. الخزندار استعاد معي سنوات تشكيل شخصيته في حي القشاشية في مكة المكرمة الذي أصبح أثرا بعد عين.
أدخلتني أمي كتابا للبنات قبل أن أبلغ الثالثة من العمر تشرف عليه سيدة فاضلة من بيت الهزازي، ويضم بنات من الرابعة حتى الحادية عشرة، ولأنني كنت صغيرا فقد ظننت في ذلك الوقت أن كل العالم إناث. لا أتذكر من زميلاتي في ذلك الوقت إلا بنتين، إحداهما ضربتها بحجر في جبهتها فخلفت لها ندبة دائمة، والأخرى تزوجت فيما بعد وخلفت ستة أولاد وبنات وتوفيت على أعتاب الثلاثين، ولم أسأل عنها لكيلا يتحول حلمي بها إلى حقيقة بشعة.
تركت كتاب البنات وعمري سبع سنوات ودخلت عالما لم أستعد له، فأصغر طلبة الفصل تجاوز العاشرة وأنا لم أتجاوز السابعة، فظللت محل سخرية الكبار واضطهادهم، فانسحبت من المدرسة وانكفأت على نفسي في المنزل ولم أجد إلا سطح بيتنا لأعود إليه مصطحبا معي كتاب ألف ليلة وليلة الذي عشت في عوالمه الخيالية، وانصرفت إلى القراءة ألتهمها دون شبع، فقرأت الروايات البوليسية المترجمة عن طريق عمر عبد العزيز أمين، كما قرأت مجموعة رو كامبول البوليسية المترجمة عن الفرنسية في مكتبة أبي وتتألف من ثمانية عشر جزءا. وأثرت في شخصية أرسين لوبين الذي كان ينتصر للضعيف حسب قوانينه التي تختلف عن قوانين المجتمع، كما تأثرت في بداية حياتي بروايات جان جاك روسو واعترافاته وأعتبرها من أعظم الكتب التي قرأتها.
• كنت تكره الدراسة النظامية؟
لا أفشي سرا عندما أقول إنني كرهت المدرسة منذ الوهلة الأولى؛ لجفاف المواد الدراسية وجمودها وأحادية الرؤية في مضمونها، وكان علي -لكي أنجح- حفظ هذه النصوص عن ظهر قلب ولولم أفهمها، فشعرت منذ تلك اللحظات أن علي البحث عن الحقيقة خارج أسوار المدرسة وليس داخلها، ولولا تفوقي في التعبير والنحو لتغير وضعي كثيرا.
• الغريب أنك لم تدخل الطب أو الهندسة، التخصصين اللذين كان يتخصص فيهما أغلب طلبة تحضير البعثات آنذاك؟
أنا لا أحب المواد العلمية، وكنت أعاني صعوبة في فهمها ولذلك اتجهت للأدبي على خلاف رغبة والدي الذي كان يريدني طبيبا، ومن سوء حظي عندما وصلنا إلى القاهرة -بعد تخرجي من مدرسة تحضير البعثات التي كانت تقع قريبا من بيتنا في حي القشاشية قريبا من الحرم، ولم يعد لها ولا لبيتنا وجود الآن، بعد أن قشت بأكملها في التوسعة- أن ذهبت مع أحد زملائي الذين يدرسون الطب إلى القصر العيني، وأول ما أدخلني غرفة التشريح فشاهدت ما أقنعني بنسيان الطب والدخول في الزراعة التي تعبر عن الحياة، وما زلت وفيا للشجرة والنباتات وتعيش معي في كل أنحاء بيتي وكانت جزءا من حلاوة طفولتي في الطائف، حيث عشت وسط مزارعها وبساتينها أياما جميلة وعاطفية عندما كان جدي رئيسا لبلدية الطائف، كما كانت والدتي تعنى بزراعة الزهور في الأحواض ومراكن البيت، وعندما خفق قلبي للمرة الأولى عرفت معنى الزراعة وتفتح الزهور ودفعني هذا الأمر إلى الاقتناع بدخول كلية الزراعة.
• لماذا كنت انطوائيا قبل خروجك إلى القاهرة مبتعثا لدراسة الزراعة؟
كنت صغيرا بين أترابي في نفس الحي والمدرسة وتخوفت من الاختلاط واللعب مع زملائي الذين يكبرونني، لكن السبب الرئيس لانطوائي يعود إلى تفضيلي القراءة على النزول للشارع، خصوصا أنني وجدت نفسي في أسرة أجواؤها أدبية ومشبعة بالكتب، وكان عمي حسين خزندار سكرتير تحرير مجلة صوت الحجاز، ثم أصبح رئيسا لتحرير صحيفة اليوم، كما كانت لوالدي مكتبة كبيرة، أضف إلى ذلك كله أن زوار والدي أغلبهم من كبار أدباء الحجاز آنذاك، مثل الشيخ حسين عرب وطاهر زمخشري وغيرهما (رحمهم الله)، وكنت أحب الجلوس معهم.
• تأثرت بمن تحديدا؟
لم أتأثر بأحد معين، لكن ظللت أكن إعجابا بحمزة شحاتة (رحمه الله).
• تشابهتما في الشخصية الانطوائية؟
هذا صحيح، بل إن حمزة شحاتة وصل إلى مرحلة نفسية في آخر حياته كان يمزق فيها قصائده، فكنا نلحق به قبل أن يفعل ذلك.
• وما الذي ميز علاقتك بعبد الله عبد الجبار؟
كان أستاذا وصديقا، وهو الذي شجعني على الكتابة عندما كنت صغيرا، وورطني فيها عندما كبرت.
• أصبت بالصدمة الثقافية في القاهرة التي كان يطلق عليها باريس الشرق؟
كنت مستعدا لهذه النقلة بقراءاتي عن طه حسين والعقاد وسلامة موسى ومجلة الرسالة والمصور، والصدمة التي تعرضت لها لم تكن لزيارتي القاهرة لأول مرة بعد التخرج من مدرسة تحضير البعثات، فقد سبقتها زيارات متكررة مع الأسرة حيث كنا نقضي الصيف في القاهرة، وإنما جاءت بسبب خوفي وحيائي من الجلوس مع طالبة زميلة متجاورين والعمل سويا على ميكروسكوب واحد، ولكن هذا الشعور زال بعد شهر واحد فقط.
• الكل يقول إن قاهرة الأمس كانت أجمل مما هي عليه الآن؟
- بل لا مقارنة بين القاهرة التي كان يسكنها مليونا نسمة فقط، وكنت تجد لنفسك مقعدا نظيفا في أي أوتوبيس يتحرك بين شوارعها، وكانت تعيش حرية كاملة تحت حكم الوفديين عام 1949م، وبين قاهرة اليوم التي يسكنها 13 مليونا في الليل و17 مليونا في النهار.
• ما الذي استفدته من هذه الحرية؟
واظبت على حضور محاضرات طه حسين في كلية الآداب في جامعة القاهرة، والمحاضرات التي كانت تنظمها الجامعة الأمريكية للزيات وغيرهما، لكنني لم أحضر صوالين ثقافية، وقرأت كتبا كانت متوافرة لمختلف الأطياف والاتجاهات دون استثناء.
• وندوة العقاد؟
لم أعجب كثيرا بالعقاد الذي كان محافظا ومتزمتا تلك الأيام وضد الشعر الحر.
• الغريب أنه كان منفتحا في بداية حياته؟
كان وفديا ثم تحول ضدهم مع الملك فاروق، وتغيرت كتاباته بعد سجنه لمهاجمته سياسة الملك.
• سافرت إلى أمريكا في فترة غليان العنصرية؟
بالتأكيد، لكنني لم أواجه موقفا واحدا لأن شكلي إسباني أو إيطالي، وفي دمي عرق تركي من جهة الوالدة.
• عندما عدت إلى المملكة عملت أربع سنوات مع أربعة وزراء في وزارة الزراعة، فمن كان الأقرب بالنسبة لك؟
لا أحب التمييز بين أحد منهم، فقد عملت بعد تخرجي مع الأمير خالد السديري، ثم جاء عبد الله الدباغ، وبعده عبد الرحمن آل الشيخ، ثم إبراهيم السويل، لكن فترة آل الشيخ تعد من أفضل الفترات، فيما اختلفت مع السويل لأسباب عملية في رؤيتنا لبعض المشاريع فتوترت العلاقة بيننا.
• لم تمكث في الوزارة طويلا؟
كنت مستمتعا بالعمل في تلك الفترة، وشكلت مرحلة عملي في وادي السرحان في منطقة الجوف لمدة سنة كاملة لتنفيذ مشروع لتوطين البدو هناك أفضلها، حيث مكثت في خيمة مع فريق العمل، والتقيت هناك بلورنس العرب وأعجبت بشخصيته وجلست معه لمدة ساعة واحدة، حيث سمعت فيها جزءا من مغامراته.
• لماذا سجنت فجأة وأنت على رأس العمل في الوزارة؟
لم توجه لي تهم معينة وواضحة، واقتصر الحكم على اعتناقي للأفكار اليسارية.
• لا بد أن يكون هناك سبب لاعتقالك؟
أنا إنسان مؤمن بالله ولم أكن ملحدا في يوم من الأيام، بل إنني لا أؤمن بالشيوعية، وإنما الصقت بي التهمة لقراءاتي فقط.
• كيف قضيت فترة السجن؟
كانت فترة حبس ثقافي، وقد شاركني الغرفة نفسها الأستاذ عبد الكريم الجهيمان حيث تعرفت عليه لأول مرة وتوطدت صداقتنا بعدها، وقرأت عليه كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ثلاث مرات.
• لم يكن مسموحا بدخول الكتب في تلك الفترة فكيف سمحوا لك؟
طلبت من المسؤول آنذاك أن يسمح لي بقراءة كتاب واحد فقال لي: سأعطيك القرآن لتقرأه، فقلت له: أحمله في صدري غيبا، فسمح لي بكتاب واحد فطلبت كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ولم يكن يعرف أن الكتاب يتكون من 24 جزءا، فكنت أتناقش مع الجهيمان في أي كتاب منها ونقضي وقتنا في مسامرة بيت شعر وسيرة راو.
• لماذا خرجت إلى باريس تحديدا بعد انتهاء فترة سجنك؟
بعد فصلي من العمل نتيجة لسجني، عملت في التجارة لمدة سنة ففشلت فشلا ذريعا ووجدت نفسي أمام خيار الهجرة بعد صدور قرار بعدم توظيفي في أي قطاع حكومي أو أهلي، ووجدت أنه من الأفضل لي أن أسافر إلى باريس التي أعجبت بثقافتها ومفكريها من خلال قراءاتي السابقة للدراسة، فالتحقت بالجامعة الأمريكية في باريس على حسابي الخاص وكنت أحضر للدكتوراة ولكنني لم أكملها، وشعرت بعدم حاجتي لها لأنها لا تشكل إضافة ثقافية لرصيدي.
• الناس يتقاتلون للحصول عليها اليوم؟
حتى تساعدهم في الحصول على وظيفة.
• هل تخليت عن أفكارك بعد خروجك؟
الحكم للقراء، لكنني أظن أنني ما زلت مندفعا ولذلك «يفرملني» رؤساء التحرير الذين عملت معهم دائما.
• هل تشعر الآن أنك دفعت ثمنا غاليا لمواقفك السابقة؟
أي انسان يحب أن يكون مستقلا وحرا لا بد أن يدفع ثمنا لا يندم عليه، وأنا لم أندم على مواقفي.
• هل يضيف السجن شيئا لتاريخ الشخص أم ينقصه؟
شكل السجن بالنسبة لي إضافة وتجربة استفدت منها كثيرا.
• تعتقد أنك خرجت من أزماتك أكثر قوة؟
الضربة التي لا تقتلك تقويك.
• بالمناسبة، هل تقبل التدخل في مقالاتك؟
أنا أقبل بإيقاف المقال وليس تغييره، وهذه مسؤولية رؤساء التحرير وهم سقف الرقابة بالنسبة لي.
• وماذا يعني لك الإيقاف عن الكتابة؟
أعتقد أن العلاقة بين الكاتب والسلطات ينظمها قانون المطبوعات، وإذا أخطأ الكاتب فإنه يعاقب في حدود القانون، حيث لا إيقاف ولا سجن.
• لكنه قانون محمي بسقف معين يتعارض مع توجهك؟
له سقف يقف عند منع التشهير.
• وأنت تؤيد ذلك؟
على العكس، فأنا مع التشهير بالفاسدين وعدم التستر عليهم.
• لكنك وقفت بحدة ضد وزارة الصحة والوزير الأسبق أسامة شبكشي حتى تم إيقافك؟
كتبت من منطلق وطني ضد سوء الخدمات وتمييزها للبعض دون البعض الآخر، ولم أقصد الوزير شخصيا.
• تجاوزت حدودك في النقد؟
أريد أن اعترف الآن بموقف الدكتور أسامة شبكشي عندما دخلت إلى المستشفى بعد هذا الهجوم من قبلي، وأرسل لي برقية يطمئن فيها على صحتي ولم يكن ناقما علي.
• كل الناس يكرهون البيروقراطية؟
ولكن هناك من يحبها أيضا، تعرفت على البيروقراطية في الثالثة عشرة من عمري من خلال قراءتي لروايات أجاثا كريستي، ولأنني كنت أكره وكيل مدرستنا الإداري في تلك الفترة فقد وصفته بأنه بيروقراطي بعد أن نلت منه علقة لم أستطع المشي بعدها لمدة ثلاثة أيام بسبب إمساك أحد المدرسين معي رواية (ماجدولين) الغرامية والتي اعتبرها الوكيل جريمة، ولك أن تتصور القيمة العلمية والمعرفية التي حصلنا عليها كطلاب من الكتب التي كنا ندرسها في الابتدائية التي ألفها هذا الرجل.
• يبدو أن هذا الموقف شكل نقطة تحول في مواقفك؟
أنا كما قال جون إيشتاينبك «أحب كل الشعوب»، فأنا أحب كل الناس وأكره كل البيروقراطية، ولا أحب التعامل مع الأساليب البيروقراطية الحكومية في داخل وخارج المملكة.
• وما هو سقف الكتابة لديك؟
لا أستطيع أن أضع سقفا أو أن أكون رقيبا على نفسي، ولو فعلت ذلك فلن أكتب.
• لماذا كتبت في فترة متأخرة من عمرك؟
لم تكن الكتابة توجهي، ولم أفكر أن أكون كاتبا في يوم من الأيام.
• صرت كاتبا بالمجاملة أم الحظ؟
بالصدفة، وكنت قد كتبت أثناء دراستي في القاهرة مجموعة مقالات ثم توقفت بعد ذلك.
• ما الذي استفدته من الإيقاف أكثر من مرة؟
ألفت خلالها كتبي.
• ما مدى صحة ما قيل من أن إنشاء مكتبة الخزندار لم يكن سوى محاولة لاختراق المجتمع ثقافيا؟
هذا صحيح.
• تعتقد أنها نجحت في إحداث تغيير؟
شكلت إضافة في فترة زمنية معينة.
• ما أفضل ما كتبت؟
حديث المجنون التي صدرت في كتاب وعرضت في معرض الرياض الدولي أخيرا، وطلب مني الحضور لتوقيع النسخ ولكن حالتي الصحية لم تسمح بذلك.
• تذكروك أخيرا؟
الدعوة جاءتني من الوزير الدكتور عبد العزيز خوجة.
• ورغم ذلك قلت إن الأدب المرتبط بوزارات يكون ضامرا؟
يؤيدني في هذا الرأي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، وكتب ردا على مقالي يؤكد فيه أن الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية كان أفضل.
• هل طلب منك في يوم ما أن تخفف من اندفاعك في كتاباتك؟
لم يحدث ذلك، ولكن طلب مني أن أكتب في بعض المناسبات ورفضت.
• لماذا؟
من السخف أن أكون كذلك.
• وهل هذا سبب لتجاهلك؟
علاقتي جيدة مع زملائي من الأدباء، لكنني أتعجب لماذا لم يدعني لمؤتمر الأدباء الثالث والمؤتمرات التي قبله أيضا، بل إن نادي جدة الأدبي لم يدعني إلا عندما كان الغذامي عضوا فيه.
• هل كان لمواقفك السابقة دور في ضعف علاقتك بالمشهد الثقافي السعودي؟
يمكن يكون لها دور.
• ألم تتغير الصورة الآن؟
لا أشعر بأي تغير.
• من يعجبك من أصحاب الصنعة في صحفنا؟
أنا أقرأ لمعظم الكتاب.
• أجرؤهم في الطرح؟
الجرأة أجدها لدى السيدات أكثر ملامسة للخط الأحمر من الرجال، مثل بدرية البشر، أسماء المحمد، حليمة مظفر، وثريا الشهري.
• ولماذا يفتقد الرجال الجرأة في الكتابة؟
اسألهم، أنا عن نفسي مقيد برئيس التحرير.
• هل ماز لت حداثيا؟
لم أكن حداثيا، وانتقدت ما بعد الحداثة أيضا؛ لأن هذه الظاهرة ولدت عندنا بعد أن ماتت في الغرب، ولهذا لم يقدر لها بالطبع أن تعيش، وكذلك الشعر فيما بعد الحداثة، وفي يوم من الأيام بشرت بميلاد ما بعد الحداثة، ولكن حتى هذا التيار انتهى وأصبحنا الآن أمام تيارات جديدة، لعل من أهمها ما يسمى ب(بوست كولنيولزم) أو ما بعد الاستعمار.
• لكنك امتدحت العلي والثبيتي؟
إذا كانت الحداثة على وزن إنتاج محمد العلي أومحمد الثبيتي فهي أعمال تخلد، وكذلك أعمال محمد جبر الحربي فلها قيمة أدبية.
• والدكتور عبد الله الغذامي؟
الغذامي أخرج كتابه عن البنيوية بعد أن ثار طلاب فرنسا عام 1968م وقتلت البنيوية فيها.
• ما الذي تفهمه من مراجعاته الأخيرة؟
أنه تعب وأرهق بعد خوضه معارك طويلة.
• ما رأيك فيما قاله عن تركي الحمد وضعف كتابته الروائية؟
أتفق معه في أنها لا ترقى إلى مستوى الرواية.
• من أفضل من يكتب في الرواية السعودية؟
كثيرون مثل؛ محمد حسن علوان، عبده خال، أميمة الخميس، والاسم المستعار (صبا الحرز)، وفي رأيي أن المهنية تتقدم على أي مضمون للروايات.
• لماذا لم تكتب في فن الرواية؟
نشرت رواية واحدة فقط، أما المقالات التي كتبتها ولم تنشر فحدث ولا حرج.
• ما هي أكثر معاركك شراسة؟
لم أخض معارك حقيقية، وأتذكر فقط خلافي مع حسن الهويمل من أجل سعيد يقطين الذي هوجم من قبل الهويمل هجوما ظالما.
• تحب الصراعات كثيرا؟
بدون صراع لا يمكن أن يكون هناك فن.
• هل هي عدوانية مكتسبة من الأزمات؟
كانت معي منذ الصغر.
• مع أنك كنت انطوائيا وهادئا؟
إلا في الكتابة، فقد كنت منطلقا الى أبعد حد.
• وهذا ما دفعك للكتابة الاجتماعية بعيدا عن السياسة والثقافة؟
يراودني شعور دائم بأنني معني بهموم الناس.
• هل صحيح أنك تعيش في جدة وقلبك في باريس؟
بل على العكس، فأنا ارتاح في جدة كثيرا وسفري إلى باريس سنويا لمدة ستة أشهر لا يخرج عن إطار وجودي داخل الشقة لصعوبة حركتي هذه الأيام، فأنشغل بالتأليف.
• لماذا أصبحت جدة مدينة كارثية في كل شيء؟
التحقيقات ستكشف الغطاء عن الحقيقة، في رأيي؛ أمانة جدة لم يتولها أناس موفقون.
• طالبت بتهجير سكان القرى والهجر المجاورة من المدينة وانتقدت بسبب ذلك؟
كلامي فسر بطريقة خاطئة ورددت على من كتب بشأن ذلك، وما زلت أعتقد بصواب نظرتي من أن تقليل الهجرة للمدن لا يتم إلا بتنمية الهجر والقرى المجاورة للمدن، والآن يطالب سكان حفر الباطن بجامعة ولهم الحق في ذلك لكن أين سيذهب خريجو هذه الجامعة إذا لم تتم تنمية مدينتهم تنمية متوازنة.
• هل ما زال مجتمعنا دفانا لأبنائه؟
دون شك، يكفيك أنني كتبت عن المؤرخ عاتق بن غيث البلادي فلامني أحدهم بقوله: كيف تكتب عن هذا الحربي.
• تكتب كثيرا في الرياضة، لماذا؟
لأنها تشغل الناس وتحتاج إلى تعديل مسارها.
• ما زلت وحداويا؟
كنت عضو شرف في النادي، ولكن يحزنني ما آلت إليه أساليب التحزب والعصبية داخل النادي، وللأسف أن الأمر يتكرر في الغرفة التجارية في مكة أيضا نتيجة الخلافات الشخصية.
• يقال إنك لم تكرم بالشكل اللائق؟
لا أتطلع إلى ذلك.
• من خلفك في صداقة الكتاب من بناتك؟
أشعر أن حفيدي نادر يملك دوافع ورغبة في القراءة منذ الآن.
• والبنات؟
واحدة تعمل في معهد العالم العربي في باريس ومسؤولة عن تنظيم المعارض، أما الأخرى فتقوم بالتدريس في كلية الهندسة في السوربون.
• ما الذي يعنيه لك التعاون بين الشيخ عائض القرني والفنان محمد عبده؟
العالم ابن حزم كان شاعرا ويحب المغنين وله كتاب طوق الحمامة، حتى الإمام ابن قيم الجوزية له كتاب في الاتجاه نفسه، فالعلماء كانوا منفتحين للفن وليس عندهم حرج من شيء، وما حدث أمر طبيعي.
• سمعت أنك عاكف على دراسة القرآن الكريم؟
أقوم حاليا بدراسة القرآن الكريم بطريقة أسلوبية لم تدرس من قبل.
• كتب عنها عبد القادر الجرجاني؟
- تناول شيئا بسيطا.
• قيل إنك ظلمته؟
بالعكس، أنا اعتمدت على نظريته ولا أنسى فضله في هذا الاتجاه.
• لماذا لم تكتب سيرتك الذاتية بما فيها من صخب وضجيج؟
بدأت بكتابتها على مدى ثلاث سنوات ثم توقفت مقتنعا بعدم جدواها، وبعدها بفترة حدثت لمنزلي سرقة أدبية أو قل «سرقة مؤدبة» قبل خمس سنوات من الآن، ذهبت فيها كل صوري ومخطوطاتي وجهاز كمبيوتري وفقدت ثروتي الشخصية من الذكريات، ولم أشغل نفسي بالبحث عنها.
• تركتها ليقوم بها الآخرون؟
بدأت بمحاولة جيدة لأحد طلبة الماجستير وصدرت الرسالة في كتاب من النادي الأدبي في حائل، والطريف أن النسخة الوحيدة التي وصلتني أهديت لي من صديق ولم تأتني من النادي الأدبي في حائل، ولا من صاحب الدراسة الذي لا أعرفه ولم ألتق به.
• قيل إن المشاكسين في الحياة معذبون بالحب؟
أنا أحببت قبل أن أذهب إلى القاهرة وبعدها، ويظل الحب الحقيقي في ذاكرتي هو الحب الذي ينتهي إلى طريق مسدود.
• متى شعرت أنك تحترق؟
منذ أن عرفت نفسي وأنا أحترق.
• ومتى ستتوقف عن مشاكساتك؟
- عندما يسقط هذا العكاز، وتخرج الروح إلى بارئها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.