الوطن: ألو... الدكتور معجب الزهراني؟. معجب: نعم. كيف تقدم نفسك؟. فلاح سابقا وأستاذ حاليا ومبدع فيما تبقى من العمر. كيف تطلق على نفسك مبدعا؟. لأني فلاح أحب تنمية الأشجار، و"الرقص" تذكرني بالأشجار دائما!. أي رقص؟. روايتي الجديدة اسمها "الرقص"، أنت لم تقرأها؟. نعم لم أقرأها لكن لماذا اسمها "الرقص"؟. لأن الحياة بدون رقص قد تكون ثقيلة بعض الشيء، فعندما يموت كل شيء أذكّر الناس بأجسادهم. كيف تذكّر الناس بأجسادهم؟. حتى يرقصوا وقت الرقص ويعملوا وقت العمل ويصلوا وقت الصلاة. هل صحيح أن القروي لا يكتب الرواية لأن أصلها مدني؟. ليس صحيحا أن ينمو الإنسان في مدينة حتى يكون روائياً. إبراهيم الكوني من عمق الصحراء وفاز بجائزة الرواية في القاهرة، ومنيف أيضاً. تقصد الروائي عبدالرحمن منيف؟. نعم، بشكل أو بآخر هو نشأ في الصحراء وكتب في مدينة اسمها عمان. لم تذكر في المقدمة أنك ناقد؟. كنت ناقداً نعم. هل صحيح أن الناقد هو كاتب فاشل؟. الناقد الفاشل هو من لا يبدع. أنت بالضبط ناقد أم روائي؟. قلت لك أنا فلاح، لا روائي ولا ناقد. لكنك تكتب الرواية وتمارس النقد؟. لا لست ناقداً، أنا في طريق العودة للقرية والشجر. إذن أنت تطلّق النقد؟. أنا أسمية انفصالاً وليس طلاقاً، لأن علاقتي به ليست شرعية. لكنك أطللت علينا من بوابة الناقد؟. أنا مع قول محمود درويش: أرى ما أريد من الحقل. ماذا تعني؟. جميل أن يطل الإنسان من نوافذ متعددة. الناقد من ينقده؟. هناك حقل اسمه نقد النقد. لماذا لا تنتقد غير الأدب؟. أزعم أنني أكتب نقداً صريحاً وعميقاً. هل حصل أن انتقدت شيئا ما ووجه لك نقد حاد لاذع؟. لا، لأنني لا أنتقد إلا النصوص التي أحب، وقبل أيام وجه لي نقد من عبدالعزيز المقالح، ونقد آخر شرس من صديق من الباحة (جمعان عبدالكريم). كيف اكتشفت أنك ناقد؟. في الجامعة كتبت عن الجاحظ والمعري وأبي حيان التوحيدي وعن الأندلسي والأساتذة الأجلاء نبهوني إلى أن عندي قدرة على نقد بعض النصوص. هل الآن تتنفس بملء رئتيك أفضل من السابق؟. المدينة يا سيدي لا تسمح للإنسان أن يتنفس ملء رئتيه!. من أي مكان بدأت؟. أذكر أنني سئلت كيف تشكلت فقلت إن القرية في منطقة الباحة علمتني محبة العمل، وباريس علمتني محبة الحرية. حدثنا عن تلك القرية؟. أذكر كان الماء يتدفق من تحت بيتي، أشعر وقتها بأن الكون كله ملكي، وأنني جزء من الطبيعة. كان حلما وهبتك إياه القرية؟. نعم كنت أعمل بالزراعة وقت العمل وأدرس بالمدرسة وقت الدرس، نعم القرية وهبتني الحلم. كيف غادرت القرية؟. كلما تقدمت خطوة بالدراسة تغربت عن القرية. من القرية أين اتجهت بكل الرحال؟. إلى الرياض لدراسة الثانوية ثم الجامعة ثم الغربة الكبيرة. أين الغربة الكبيرة؟. إلى باريس. وفي باريس أين سكنت؟. في الحي الخامس عشر بباريس وجيراني هم الطيب صالح وأدونيس. كانت صدفة أم أنت خططت لها؟. أبداً كان سكني صدفة واكتشفت صدفة أنهم جيراني. حدثنا عن جيرانك أدونيس والطيب؟. كنا نلتقي باستمرار. أين تلتقون؟. في المقهى ومرات كثيرة في الشقة عندي أو عند الطيب صالح، أما أدونيس فلا أدعي صداقته. ماذا تفعلون في الشقة أنت والطيب صالح وأدونيس؟. كنا نتبادل الموائد المحلية ونشرب الشاي. في باريس تشربون الشاي؟. نعم. كيف تذكر باريس؟. عشت أجمل فترات حياتي في باريس. وغادرت باريس؟. مغادرتي لباريس تشبه خروج آدم من الجنة. ما الذي أغراك بباريس؟. كل شيء في باريس يغريني؛ طرقاتها جامعاتها خضرتها. وحسناواتها؟. كل شيء في باريس. غادرت باريس في الليل أم في النهار؟. في نهار حزين وقلت عند رحيلي: عائد يا بلادي ما معي غير كفين تحمل إحداهما قلماً للكتابة وأخرى تصاوير للأرض وشكل سحابة. هل أغراك بباريس الكتاب أم الجميلات أم طعم القهوة الباريسية؟. يشدني لباريس الصفاء والثقافة والحرية، أما الحسناوات فربما أجدهن في دول الخليج لكنها الحرية. أنت زامنت مرحلة الحداثة التي مرت وذهبت؟. نعم، أنا بدأت في مطلع السبعينات وعشت الحداثة في باريس فقط وليس في أي مكان آخر. أقصد المرحلة التي مرت؟. نعم، هل تعلم أن توفيق الحكيم طرح الحداثة في العشرينات؟، لكن الحداثة عندنا تشبه الضجيج. الدكتور فهد العرابي الحارثي قال إن الحداثة لم تعط مشروعية الدفاع عن نفسها؟. أولاً الدكتور فهد أشعر أنه لا يجمعني به أي شيء سوى الشيء القليل جداً، وهو الشهادة الجامعية من السوربون. أنا أسألك عن ما يقوله الدكتور فهد العرابي؟. هذه مقولة تنطبق على بلاد المغرب؛ على تونس، أو على مصر. لماذا لا تود ذكر اسم فهد العرابي؟. قلت لك لا يجمعني به أي شي سوى الشهادة الجامعية. هل بينك وبينه خلاف؟. أبداً، لكنه يسير في طريق مختلف تماماً عن الطريق الذي اخترته لحياتي، ومنذ فترة وهو يعرف هذا الشيء. هناك رائحة خصومة لكنك لا تريد أن تبوح بها؟. كما قلت لك، ما يقوله لا يعنيني، وليست بيني وبينه خصومة. هل أنت ضد الحداثة؟. لا، لكنني أقول إن رهان الحداثة ما زال في بدايته وإذا كسبه الجيل فنحن محظوظون. هناك اصطلاح "أبناء الإنترنت" ماذا يعني لك؟. هناك ثقافة أمية شفهية تشدها الوسائل الحديثة وهي تشبه الأغذية السريعة وهي ثقافة الصور والمعلومات السريعة. أنت لا تعول عليها؟. أنا أعول على الكتاب لأن تلك الوسائل تخلق فوضى في القيم وفوضى في الأخلاق وفوضى في السلوكيات رغم أنها جامعة مفتوحة. حوارنا انتهى شكراً لك. عفواً.