الحب حالة إنسانية تداعب خيال الشباب والفتيات فأجهشت له القلوب وهامت به العقول، والشريعة الإسلامية أقرت به حينما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القضية بقوله: «القلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه»، بل كان الرسول يقول: «اللهم هذا قدري فيما أملك فلا تلمني في ما لا أملك». واليوم باتت الوسائل الموصلة للحب والعشق كثيرة بعد انتشار الأغاني العاطفية والكليبات والأفلام والمسلسلات ووسائل الإتصال من إنترنت ومحادثات وجوالات وخلافه وتبقى نهاية هذه العلاقة هي المحك الحقيقي لصدقية هذه العلاقة فإما الوقوع في الحرام وتضرر الفتاة قبل الشاب وتدمير حياتها، وإما نهاية سعيدة تنتهي بالزواج فالفاصل بين الحالتين هو الصدق إلا أن كابوس المجتمع وقف أمام الشباب والفتيات حجر عثرة، التي يقرها الشرع إذا انتهت بزواج متخذين موقفا قاسيا مفتقدا لروح الحنان والإحساس.. فيطالب الابن بالإقلاع عن التفكير بالفتاة التي أحبها .. لأجل الارتباط بامرأة طغت علاقته بها على الأعراف الاجتماعية. «عكاظ» فتحت هذا الملف وتساءلت عن الموانع الشرعية من الزواج الناشئ عن الحب؟! وهل هناك أي أضرار نفسية واجتماعية على الطرفين في حال زواج كلا الطرفين من جهة أخرى في سياق الإستطلاع التالي: أساس الشريعة تحدثت عضو مجلس الإدارة في جمعية الشقائق الاجتماعية الماس الهجن قائلة: «لاشك أن كلتا الحالتين من الزواج أي الزواج عن حب سابق أو عن طريق اختيار الأهل فيه نظر، فلا يمكن إيجاد قاعدة نقرر خلالها أي هذين الزواجين هو الأفضل إلا أن الشرع في كلا الزواجين هو الأساس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». وأضافت: «لو أن إنسانا صادف امرأة في عمله أو في أي مكان ورأى في نفسه الإعجاب بها لما تحمله من صفات الأمومة والزوجة الصالحة ورغب الزواج منها فله أن يتقدم دون أي مانع». واستطردت: «ليس شرطا أن يكون الزواج عن طريق اختيار الأهل للابن لأن الرجل إن اختار زوجته بعقلانية فلا يحق لنا أن نمنعه خشية وقوع أضرار في المستقبل لكن إن وجد بين الرجل والمرأة لقاءات خفية أو علاقات مشبوهة في أماكن بعيدة عن مقر العمل أو الأسرة فهذا الزواج حتما ستكون نتيجته الفشل». وعزت الهجن أسباب فشل زواج الحب الناشئ من التعارف الخفي إلى أن الرجل الذي رغب امرأة وأجرى علاقة معها تحمل نوعا من الشك، فحتما بعد إشباع الغريزة سيذهب الحب وستبدأ المعايرة والاتهام للمرأة بأنها صاحبة علاقات مشبوهة وإن كان قد أحبها في البداية ولن يثق الرجل بامرأته فكما خدعت والديها وأهلها في البداية لربما تخدعه في يوم ما وحتى المرأة لن تثق بزوجها. مثال واقعي وضربت الهجن مثالا واقعا: «لو رأينا بعض المجتمعات التي تفتقد القيم والأخلاق ولا ترى في العلاقات أي عيب ستجد أن نسبة الطلاق لديها كبيرة رغم أن زواجاتهم تمت عن حب وستلاحظ أن حياتهم بنيت على الشك فما بالك ونحن مجتمع يرفض العلاقات المشبوهة فكيف سيكون مصير هذا النوع من الزواج». ونوهت الهجن أن الذي يبدأ بالحرام لا يمكن أن ينتهي بالحلال، فالمرأة التي أجرت علاقة مشبوهة مع الرجل تختلف حياتها عن المرأة العاقلة التي تصلح للزواج، لذلك لا ينبغي على الأهل أن يقفوا أمام الابن في زواجه من امرأة رغبها وكانت صالحة للزواج، مبينة أن فائدة الشرع تظهر هنا فهو حماية للمرأة ووقاية لها من الاتهامات وصون لها من الطلاق، واستدركت لكن التعرف والعلاقة البسيطة التي تنتج الرغبة في الزواج لا بأس بها على ألا تكون العلاقة قوية تنتج عنها خلوات وأسرار. وأوضحت للأسرة حق في منع الابن من الزواج وذلك في أضيق الحدود فالمرأة إن كانت من بيئة منحرفة مثلا يمكن للأهل مثلا التدخل لحماية ابنهم. واستدلت بوجود حالات شاذة يمكن استخدام القاعدة التي تقول للضرورة أحكام فمنع الابن من الارتباط بفتاة قد ينشأ أحيانا مشاكل قبلية كقيام حرب وغير ذلك فلابد من تزويج الأبناء درءا لمفاسد أكبر من هذا المنع. تفهم الآباء ولم تجد عضو هيئة التدريس في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الدكتورة نورة العجلان حرجا من الزواج عن طريق علاقة الحب، مشيرة إلى كلا الزواجين سواء كان عن طريق الخطبة أو الحب لا بأس بهما شريطة أن يكون على الطريقة الشرعية. وبينت: «إن التعرف على المرأة والرغبة في الزواج منها بسبب الحب يمكن أن يتدخل الأهل فيه ولكن ليس بالمنع وإنما بتحليل الواقع فينظر الأهل هل هذه الرغبة نتجت عن نزوة من ابنهم فإن اتضح عكس ذلك فلا يحق لهم منع هذا الزواج». وأوضحت أن الشباب والشابات لهم وجهة نظر في اختيار شريك الحياة والآباء والأمهات لهم وجهة نظر أخرى ناتجة عن تجربة تغفل عن الأبناء، لكن إن اختار الابن شريكة حياته عليه شرح مميزاتها وعلى الآباء الاستماع مع التوضيح أين تكمن مواطن القوة والضعف في هذا الزواج دون تمسك للآراء. مطالبة بضرورة أن يقتنع الابن بالزوجة وينشأ حوار بين أفراد العائلة فيقنعهم أو يقنعونه خصوصا أنها تعتبر قضية لا تقتصر علاقتها بين فرد وآخر وإنما هو قرار ينتج عنه أفراد. ضرر المنع وأوضح الخبير في المجامع الفقهية ورئيس مركز أخلاقيات الطب في المركز الطبي الدولي في جدة الدكتور محمد علي البار أن منع زواج الابن ممن يحب لأجل خطبة الأهل له ممن يرونها مناسبة قضية لا شأن لها بالدين، بل هي أعراف اجتماعية، وقال: «الدين لم ينظر إلى الأسباب الاجتماعية، ولكنه أمر بصلاح الرجل والمرأة كما قال تعالى (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم)». وأوضح، «للابن الحرية المطلقة في اختيار الزوجة التي يريدها وللفتاة الحق نفسه فيمكن لها القبول أو الرفض ممن تقدم إليها»، وذكر البار حديثا رغم شكه في صحته (ليس للمتحابين دواء مثل الزواج)، قائلا إن دواء المحب هو أحد طريقين إما الزواج أو الوقوع في الحرام لذلك ينبغي تزويج من أحب. وبين البار أن منع الابن من الزواج بالفتاة التي أحبها فيها كثير من الأضرار سواء النفسية والاجتماعية على الطرفين، ورأى أنه لا مانع للأب إن وجد رغبة في ابنته في الاقتران بأحد الشباب الصالحين أن يستقطبه وأن يشجعه على الزواج على أن لا يكون الاستقطاب بطريقة مباشرة لأن ذلك سيولد نظرة غير حسنة لدى المجتمع. وأشار إلى أن التعرف ليس ممنوعا لكن الطريقة السليمة لذلك هو الزواج، موضحا: «نحن في عصر منفتح يصعب فيه منع التعارف، فكلية الطب مثلا يوجد فيها الاختلاط والشاب قد يعرف الفتاة وهذا ليس ممنوعا على ألا تعامل الفتاة معاملة خاصة من قبل الشاب فهذا سيدخل إلى باب الحرام"»، وذكر أن من الخطأ الاعتقاد أن الشريعة تلغي جانب المحبة، فالله سبحانه وتعالى يقول «وجعل بينكم مودة ورحمة». مفيدا أن أكثر حالات الإدمان والحالات النفسية والانتحار بل حتى بعض الأمراض الجنسية تتواجد في غير المتزوجين أكثر منها في المتزوجين، مطالبا بعدم الوقوف عقبة في طريق الزواج. وأشار البار إلى أن الزواج في قضيته الأولى والأخيرة ليس للأب ولا للأم إلا أن يكون هناك توجيه منهما ونصيحة، مبينا أن الابن ليس له ولي وإنما الولي يكون للفتاة على ألا يمنع نصيبها إلا إذا كان في المنع حماية للفتاة.