الزواج حلم يداعب .. خيال الفتيات لتمارس غريزة إنسانية أودعها الله في قلبها وهي غريزة الأمومة لكن ما هي الأسباب التي تجعل هذا الحلم يتوارى مع مر الأيام؟ إنها غالباً أسباب اجتماعية واقتصادية صعبة تواجه الشباب في المجتمعات فتقف عائقاً في وجه الشاب وتجعله غير قادر على الارتباط وأيضا تقف في وجه الفتاة فتمنعها من الزواج. والمرأة في المجتمعات المتحضرة أوفر حظاً لأنها تتمتع بقدر كبير من الحرية يجعلها تخرج إلى مجال العمل وبالتالي تتحسن ظروفها الاقتصادية، وتصبح قادرة على تحمل بعض نفقات الزواج ولكن الظلم يقع على المرأة في المجتمعات القبلية والبادية ، لأنها لا تتمتع بالحرية التي تجعلها تتعلم وتختار وهنا تصل الفتاة إلى مرحلة يسميها المجتمع بالعنوسة وهي تأخر سن الزواج، وأيضاً تشمل حرمان الفتاة من الزواج الذي تريده وهذا ما يُسمى بعضل المرأة، أي الامتناع وهنا يتقابل تأخر الزواج والعضل في طريق واحد حيث يؤديان في النهاية إلى عدم زواج المرأة، وكلاهما من أخطر الظواهر التي تواجه المجتمع ولكن ما حجم تلك الظاهرة ونظرة الدين والمجتمع وما الحلول المقترحة؟؟ ثلاث فتيات .. بمحافظة خميس مشيط عضلهن والدهن عن الزواج وصلت أعمارهن إلى (35) عاماً .. يصرخن بأعلى أصواتهن وما بقي من قوتهن للجهات الحقوقية والقضائية والإنسانية التدخل السريع في إنقاذ ما بقي من حقوقهن المنتهكة بعد رفض والدهم تزويجهن رغم أن كثير من الخطاب تقدموا لهن لا يُعابون في دينهم أو خلقهم أو استقامتهم. الفتيات تقدمن بشكوى .. لظلم والدهم لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبدور الهيئة أوصلتها للحقوق المدنية بمحافظة خميس مشيط التي إحالتها إلى المحكمة الشرعية. وبينما حدد قاضي المحكمة الشرعية جلسة لهن لم يتمكن من الحضور بعد أن منعهن والدهم من الذهاب إلى المحكمة. الرسالة تقصت خيوط القضية وتابعتها خيوطها لتخرج بالمحصلة التالية: ولاية القاضي بداية يوضح الشيخ عبد الله بن أحمد فرحان القرني رئيس المحكمة الجزئية بمنطقة الباحة الرأي الشرعي في مثل هذه الحالة قائلاً: عندما تلجأ الفتاة إلى القضاة لرفع قضية على ولي أمرها الذي عضلها عن الزواج يقوم القاضي بالبحث والسؤال عن الرجل الذي تقدم لطلب الزواج من الفتاة، وإذا وجد القاضي أن الرجل مستقيم وكفء لها يقوم باستدعاء ولي الأمر وسؤاله عن الأسباب التي تمنع زواج ابنته أو أخته، ويُلزم القاضي ولي أمر الفتاة بإجراء العقد. فإذا رفض ولي الأمر تزويجها يستدعي القاضي من هو أقرب للفتاة بالولاية عليها كالأخ الشقيق، أو العم، أو غيرهما ممن هم أقرب، فإذا رفضوا جميعا عقد النكاح للفتاة يُسقط القاضي ولايتهم، ويكون هو الولي شرعاً على الفتاة، ويعقد لها على الزوج الذي تقدم لها. ويحذر القرني من الحجر على المرأة باعتباره نوعاً من أنواع العضل، حيث تبقى الفتاة لابن عمها، مشيراً إلى أنه في حالة عدم قبول الفتاة الزواج بهذا الرجل فإن الشرع أيضا لا يقبل ذلك. ويقول: لا يمكن ترك الفتاة معلقة ورهينة لظلم وتجبر وليها، فبفضل الله تعالى كفل لها هذا الدين الحنيف الحق في حال صدقها ونزاهتها وسلامتها فيما هي راغبة فيه. فالإسلام جعل لها مخرجاً من هذا المأزق. والقاضي يستدعي الولي ويسمع منه أسباب المنع، ويعرف من هو الراغب في الزواج من الفتاة، فإذا ذكر أسباباً شرعية تمنع إتمام الزواج فإن القاضي يقنع الفتاة بالانصياع والاستجابة لولي أمرها، وأنه محق في منعه، فإذا رأى أن الأسباب لا تؤيد موقف الولي في عضله ومنعه من الزواج، فإن القاضي حينئذ يتحرى عن هذا الخاطب بالسؤال عنه في ديانته وأخلاقه وقدرته المالية وغيرها من الأمور المعتبرة في النكاح سواء كانت دينية أو اجتماعية أو أسرية، وبعد استكمال هذه التحريات التي تأخذ وقتا، فإذا وجد القاضي قناعة أن الولي غير محق في منعه، يقرر فسخ الولاية من هذا الولي وعلى إثرها تنتقل الولاية لمن هو بعده في المرتبة لأن ولاية النكاح مراتب كما هو الحال للعصبات في الميراث، باعتباره كأنه مفقود أو متوفى لا وجود له، هذا إذا كان هناك ولي من بعده، فإن لم يكن هناك ولي فإن القاضي الشرعي ولي من لا ولي له فحينئذ يكون للقاضي الحق في إجراء النكاح. وعندما يثبت للقاضي عضل ولي الأمر عن تزويج الفتاة، يزوجها قاضي المحكمة من الشخص المناسب لها، ويفسخ ولاية الأب. حرمة العضل وبدوره يقول الدكتور عبد الله بن محمد الحميّد مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة عسير: عضل المرأة والحجر عليها من قبل ولي أمرها لأسباب غير وجيهة أمر محرم ولا يجوز شرعاً ومنكر عظيم وظلم لها بغير وجه حق، لأن الله تعالى يقول في محكم كتابة العزيز (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا). وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إن فتاة دخلت عليها فقالت (إن أبي زوّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة فقالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء) راؤه النسائي .. ونفهم من هذا الحديث النبوي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خيّر تلك المرأة بأن تفسخ النكاح إن شاءت ولكنها لم ترد أن تحرج والدها فأمضت أمر أبيها كره منها رغبةً في برِّه مع أن لها حق الفسخ نظراً لن والدها لم يأخذ رأيها فيمن أراد أن يزوجها به. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد ، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقا ، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه : كان النكاح كذلك ، وأولى ، فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة ، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول ، تؤذي صاحبه ، ولا يمكنه فراقه) . ويتابع الحميد حديثه قائلاً: من صور العضل أن يمنع الولي التزويج لغرض الراتب الذي تتقاضاه موليته، ومن صور العضل أن لا يزوجها إلا من العائلة نفسها حتى لو جاء خاطب كفء يماثلها سناً ونسباً، ومن صور العضل المستجد أن يمنع زواجها بحجة إكمال الدراسة وتأمين المستقبل؛ وهذا خطأ في مفهوم الحياة الزوجية وأن عز المرأة بعد طاعة الله أن تكون زوجة لدى رجل كفء يخاف الله ويحافظ عليها ويقوم بواجبها، كما أن الزواج كما أثبت الواقع لا يمنع من مواصلة الدراسة؛ وكم امرأة منعت من الزواج بسبب الدراسة ففات عليها الخطاب وندمت على ذلك. فالواجب على ولي المرأة أن يتقي الله تعالى فيها وأن يستهل أمر زواجها إذا تقدم إليه الكفؤ المستقيم وأن لا يعضلها ويحجر عليها طمعاً في راتبها أو لإرغامها على الزواج ممن لا تحبه ولا تميل إليه. عادات بالية من جانب آخر يقول الشيخ سعيد محمد مخفور الخطيب والمأذون الشرعي: لا شك أن من أبرز حقوق البنات على الآباء تزويجهن إذا جاء الخاطب الكفء، وامتثالاً للهدي والإرشاد النبوي قال عليه الصلاة والسلام: "إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه" والخاطب الكفء على الصحيح من أقوال العلماء هو الدَيّنْ قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لما ذكر تعالى أنه خلقنا من ذكر وأنثى وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف بين الخصلة التي بها فضل الإنسان وأنها التقوى، وكأنه قال ليس الشعوب والقبائل للتفاخر قيل فبأي شيء يستحق الإنسان المفاخرة قال من كان أتقى لله وأخشى له وإلا فالناس متشاركون في الجد والجدة والكل واحد، وإنما التفاوت بالدين. وعن فاطمة بنت قيس القرشية وكانت من المهاجرات الأول ذات جمال وفضل وكمال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "انكحي أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وكانت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة فأخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها. فقال لها أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة" (رواه مسلم) . وأسامة مولاه بن مولاه، وهي قرشية وقدمه على أكفائها ممن ذكر فدل على أنه لا عبرة في الكفء بغير الدين. وأضاف مخفور: هناك أسباب عديدة لعضل الفتاة عن الزواج، منها العادات والتقاليد البالية التي ما زال البعض يتمسك بها، وتعتبر السبب الرئيس في حرمان الفتيات من نعمة الزواج . لقد جرت العادة في بعض المناطق القبلية بالمملكة على عدم تزويج الفتيات إلا من قبلي مثلها. ويلفت إلى أنه في بعض القبائل يجبر العرف الفتاة على الزواج من ابن عمها تحديدا. من الأسباب التي تدفع أولياء الأمور إلى عضل الفتاة عن الزواج اعتقاد بعض الآباء أن وراء تقدم بعض الشباب للزواج من الفتاة الطمع في راتبها، ومن ثم يحرص كثير من الآباء على عدم خروج مال الأسرة إلى شخص غريب. ومن الأسباب أيضاً جشع بعض الأولياء، وسعيهم الدائم إلى استنزاف رواتب بناتهن الموظفات، الأمر الذي يُسبب الكثير من حالات العضل والحرمان للفتاة من الزواج.. بل أنه بالفعل هناك الكثير من كبار السن يعضلون بناتهم من أجل ما يتقاضها من الضمان الاجتماعي الشهري .. أمية متحجرة ومتعصبة .. !! وعن دور مشايخ القبائل في الحد من هذه الظاهرة يقول الشيخ علي بن محمد زهران الشهراني من مشائخ شهران: عضل الأولياء هو شذوذ ينبغي أن يقلع عنه المتورطون فيه، ويتقوا الله في رعيتهم التي استرعاهم الله عليها، فهناك فتيات لا ذنب لهن إلا أنهن بنات لهذا الأب القاسي. وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء فتوى بأن التحجير وإجبار المرأة على الزواج بمن لا ترضاه ومنعها من الزواج بمن ترغب به ممن استوفى الشروط المعتبرة شرعاً أمر لا يجوز، بل اعتبره من أكبر أنواع الظلم والجور. ووجه الشهراني نداء إلى كل فتاة أن تبادر بطلب رفع الحجر عنها إذا حجرت ظلما وعدوانا، وأن تعلن قبولها لمن ترضاه من الخاطبين، وإذا عضلت فعليها أن تسرع برفع دعوى إلى لجان إصلاح ذات البين، أو المراكز الأسرية لتحل القضية بالطرق الودية، فإن لم يفد ذلك فترفعها إلى المحكمة، لتقوم المحكمة بنصرتها، وتنقل ولايتها من العاضل إلى الحاكم الشرعي؛ ليزوجها ممن يرضى دينه وخلقه، ومن يكافئها حسبا ونسبا ودينا ، لافتاً إلى أن الشرع الإسلامي منح المرأة حق اختيار زوجها، إذ هي التي تشاركه الحياة، ومنع إكراهها على الزواج، وأعطاها حق فسخ العقد إذا أكرهت عليه. وعن دور مشايخ القبائل في التوعية وحل هذه المشاكل يقول: لنا دور كبير جداً فالشخص الذي نعلم أن لديه بنات وعضلهن نقوم بإرسال أقاربه المقربين منه للمناصحة له، ثم ننتقل كذلك ببعض الأعيان لنفس الشخص ونتحاور معه في إقناعه بتزويجهن. وقد أصلحنا الكثير من مثل هذه القضايا وهناك أشخاص لم يجد معهم النصح ويركبون رؤوسهم. وقد انتقلت للشخص الذي عضل (ثلاث) بنات له وحاورنه بالرشد والنصح بعد تكليفنا من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن دون جدوى في إقناعه. خلل في الإنسان ويقول الداعية عبد الرحمن سعد عالي عن هذه الظاهرة: اهتم الإسلام بموضوع المرأة فأنزل سورة النساء مما يبين اهتمام القرآن بالنساء وأعطى البكر الحق في قبول الزوج، كما يسر لها الزواج وذلل جميع الصعاب حتى زوج النبي صلى الله عليه وسلم الشباب والشابات بآيات من القرآن الكريم أو بخاتم من حديد، والخلفاء الراشدون كانوا يوفرون للشاب والشابة جميع أسباب تكوين الأسرة المتماسكة الناجحة لكي تنتج لهم الفاتحين، واليوم مع الأسف عقبات كبيرة أمام الشباب والشابات حتى أصبح تكوين الأسرة مسؤولية ثقيلة جدا على الشباب أنها مسؤولية كل دولة أن تيسر الزواج الشرعي وتحميه وتعطي الشباب والشابات فرصة حقيقية لتكوين الأسر الحقيقية التي تكون لبنات المجتمع المدني الذي يملك مقومات الحياة ولا يضطر الشاب إلى الانحراف الجنسي والممارسات الجنسية الخاطئة التي تنقل الأمراض الجنسية الخطيرة وعلى جميع المؤسسات الرسمية والشعبية في المجتمع أن تتضافر لإنجاح مشروع الزواج الشرعي سواء للبنات الإبكار أو من سبق لهن الزواج أو من فاتهن القطار. تسلط ذكوري وتشير الأستاذة سحر عبد الرحمن الباحثة الأكاديمية في علم الاجتماع بتعليم البنات بالرياض قالت إلى المشكلات التي يرتبها عضل الفتيات قائلة: يعتبر العضل من المشكلات الاجتماعية التي تحرم بمقتضاه الأنثى من اختيار ما تريده لاعتبارات كثيرة ومتعددة، وتعود قضية العضل تاريخيا إلى عصور بعيدة، ترجع إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت الثقافة والسلطة الذكورية تحيل المرأة إلى متاع وغرض من أغراض الرجل، يمكنه أن يتصرف بها كما يشاء وفق هذه تلك الثقافة البائدة. فعلى الآباء والأولياء أن يتقوا الله عز وجل في بناتهم ويعملوا على الوقوف معهن بالرحمة والرأفة, أما التصلب في الرأي فإنه لا يؤدي إلا إلى الأحقاد والقطيعة. والمرأة إذا وصلت لحال العضل الظاهر لمنعها من الزواج فلها أن تتقدم إلى المحكمة الشرعية للنظر في دعواها و يجوز للرجل أن يتقدم للمحكمة إذا رغب بالمرأة ورغبته. دون وجود ما يمنع ذلك الزواج شرعًا وعرفًا، إلا أن هناك الكثير من النساء اللواتي يترددن في ذلك أما لجهلهن بكيفية اللجوء للقانون، أو خوفاً من نظرة المجتمع لهن وكأنهن يطالبن بحق غير مكتسب وشرعي. وترتبط قضية العضل بمجمل من المشكلات ومنها زيادة العنوسة والإصابة بالاكتئاب والقلق نتيجة الحرمان من دور الأمومة وتكوين الأسرة والعائلة الذي تحلم به أي فتاة منذ نعومة أظافرها. وتختم بالقول: الزواج عن طريق الحجر فيه جبر وإلزام للفتاة وبالتالي ينتفي مبدأ التوافق من الزواج، وكذلك تنتفي حسن المعاشرة فكيف توجد والزواج قائم من الأساس على التحدي والعنف، وكذلك لن يوجد في مثل هذه الزواج تقارب في المستوى الثقافي وبالتالي سينعدم الحوار. كل هذه الأمور ستلقي بطلاها على الأسرة والأبناء الذين قد يصابون بأمراض نفسية، كما تؤدي هذه الزيجات إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب لدى المرأة، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. سلوك غير سوي وعلى ذات النسق يسير الدكتور محمد منذر أبو العون أخصائي العلاج السلوكي المعرفي قائلاً: بعض الآباء يتسم بالقسوة على بناته وغدت هذه القسوة جزءاً من سلوكياته يمارسها بلا وعي نتجت من فعل حقيقي تعرض له هذا الأب وهو حاليا يقوم بردة فعل معاكسة مستخدما ما نسميه في التحليل النفسي (الإسقاطات النفسية) ليجد بناته أمامه هن المتنفس الوحيد الذي يسقط عليهن ما هو مكبوت في شخصيته الغامضة واضعا قناعا عنوانه (ما حد يعرف مصلحتكم غيري وأنا فقط اللي أخاف عليكم) مما يجعل هذا الخوف الذي بداخله سلاحا وحجه يحملها في أي نقاش وأي حديث وهو لا يعلم هل هو خائف عليهن وعلى حياتهن أم انه خائف على مصالح معينة أن تضيع منه كراتب وظيفي أو ضمان اجتماعي أو انه خائف من الذي سيأتي (ويسرقهن ) منه ويبعدهن بعيدا عنه. بالتأكيد ستكون هناك عواقب نفسية وحيوية وفكرية ناتجة من تصرف هذا الأب لأنه لم يعط لإنسانيتهن أو حياتهن أي معيار اهتمامي وإنما التفكير منحصر حول رغباته الداخلية المحاكية لمعتقداته واحتياجاته. ومن نتائج هذا السلوك أن اتجهت بناته إلى الجهات المختصة باحثات عمن ينقذهن من تفكير هذا الأب الغريب والذي احتار من هم حوله به بل وأصبحوا منبوذين بسببه. فالأعراض السلوكية التي تظهر بناء على معتقدات الفتاة وخبراتها وطريقة تفكيرها والبيئة التي تعيش فيها والوسائل التي يمكن أن تساعدها لظهور هذه الأعراض وأنا هنا أتحدث عن هذه القضية وأخص السلوكيات المرضية التي يمكن أن تظهر عليهن ومنها الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس والخوف والشعور بالرغبة في الانزواء. أما الأمراض النفسية التي قد يصبن بها فمن أبرزها الاكتئاب النفسي الناتج من الكبت النفسي الداخلي فيهن وعدم وجود من يفهمهم أو يستشعر معاناتهن والرهاب الاجتماعي لما سببه لهن الأب من نبذ من الأقارب والجماعة والمجتمع الذي حولهم وأيضاً الوساوس القهرية والتي قد تكون سبب في توليد فتيات قد يستخدمون سلوك الأب بلا وعي في تربية أولادهم وبناتهم مستقبلا. مستقبل مظلم ويدلي الأستاذ إبراهيم محمد معرف المتخصص في علم اجتماع برأيه حول هذه الظاهرة قائلاً: أعطى الإسلام كثيرًا من الحقوق للمرأة ولكن مع الأسف جل هذه الحقوق تمت مصادرتها بسبب أعراف أو تقاليد جاهلية، ومع ذلك فعند المطالبة بحقوق المرأة، يُنادى بتطبيق المواثيق الدولية مع أن الميثاق الإلهي قد حفظ لها كل الحقوق التي من شأنها التي تصونها، لكنها ما زالت مهدرة في مجتمعنا رغم إسلاميتها. ومن حقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام حقها في الزواج وتكوين أسرة وبيت مسلم يسير على شرع الله، وهو الحق الذي فرط فيه كثير من الأولياء حتى عدَُّ في بعض البلاد المسلمة ظاهرة يعاني منها المجتمع، تلك الظاهرة التي تعرف بالعضل وهو منع المرأة من الزوج الكفء ئها إذا رغب كل منهما في ذلك. وأضاف: لا شك أن للعضل آثار سلبية حادة نفسية واجتماعية على البنت والأسرة والمجتمع بشكل عام.. فكما هو معروف بأن العضل يؤدي إلى زيادة نسبة العنوسة في المجتمع. والمرأة العانس تعاني من مشكلات نفسية وفسيولوجية حادة بسبب مشاعر الإحباط والتوتر والضيق. ويمكن أن نوجز الآثار التي يتركها العضل في المشاكل النفسية والفسيولوجية والاجتماعية التي تعاني منها المرأة التي تتعرض للعضل. ويمكن أن تتطور هذه المشاكل لتصل إلى حالات اضطرابات نفسية وعقلية مثل القلق والاكتئاب والفصام وغيرها، ومشاكل اجتماعية وأسرية تعاني منها الأسرة كنتيجة لسوء العلاقة بين الولي والمرأة وباقي أعضاء الأسرة، ومشاكل قانونية يمكن أن تظهر بين الولي وابنته قد تصل إلى أروقة محاكم الأحوال الشخصية مما يمكن أن ينعكس سلباً على العلاقة بين جميع أفراد الأسرة، ومشاكل اجتماعية يتعرض لها المجتمع كنتيجة لزيادة نسبة العنوسة وانعكاسها على التنمية والتطور الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع. فالعضل يمكن أن يؤدي إلى انتشار الفتنة والفساد في المجتمع. مرفوض شرعاً من جانبه يقول الأستاذ يحي محمد الشهراني المحامي والمستشار القانوني: أوضح ديننا الحقوق الشرعية للفتاة مبيناً حقها في الموافقة على الزواج بإرادة صريحة منها دون أي إكراه فلا يجوز تزويج الفتاة بغير رضاها رضا كاملاً صريحاً لا يشوبه أي عيب، فالرضا ركن من أركان الزواج وعليه يجب أن تعطى الفتاة موافقتها على الزواج وهي بكامل إرادتها وإدراكها دون أي ضغط عليها فمن الضروري أن تختار الفتاة شريك حياتها لأن عقد الزواج يتضمن معنى العشرة والمحبة بين الزوجين وإذا كان المتقدم تتوافر فيه الشروط التي تجعله زوجاً ناجحاً وأبا نافعاً فلماذا يرفض ولي الأمر فالشريعة الإسلامية منعت عضل الفتاة من قبل الولي، أي أن يمنعها من الزواج كلياً أو ممن ترغب فيه وتريده وهذا العضل ظلم للفتاة وخرق لحقها الجوهري الذي أعطته لها الشريعة وهو حقها في اختيار زوجها وشريك حياتها وللفتاة المقبلة على الزواج الحق في وضع الشروط التي تريدها في الزوج سواء كانت مادية أو معنوية مما يتحقق معه مصلحتها ولا تكون مخالفة للشرع أي لا تحل حراما ولا تحرّم حلالاً وعلى الزوج أن يطبق هذه الشروط وألا يكون غير كفء بهذه الزيجة والأكرم له. اضطرابات نفسية ويقول الدكتور عبد العزيز سعيد ال حبشان استشاري الطب الشرعي والمشرف على مركز الطب الشرعي بعسير حول القضية: الجنس غريزة لدى الإنسان، وعضل الفتاة قد يؤدي بتلك الفتاة إلى البحث عن إشباع هذه الغريزة بشكل غير شرعي، لاسيما في ظل انتشار الفضائيات والانترنت وغيرهما من الوسائل الحديثة، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة الانحراف وكذلك يؤدي العضل إلى ارتفاع نسبة العنوسة داخل المجتمع ويترتب عليها أمراض نفسية واجتماعية تؤدي كما قلت سابقاً إلى الفساد الأخلاقي. وأسباب هذه الظاهرة واضحة ومعروفة وترجع إلى ضعف الإيمان وأقصد إيمان الأب أو ولي الأمر وتناسي الذنب العظيم الذي يقع فيه الولي نتيجة حرمان الفتاة من الزواج وربما الدافع المادي الذي يجعل الولي يرفض بشدة دون أسباب، خاصة إذا كانت الفتاة تعمل في وظيفة وتحصل منها على راتب مغر تساعد به الولي. ويجب على ولي الأمر أن يراقب الله في اختيار الزوج لابنته، وأن يعلم أنها أمانة هو المسؤول عنها فلا يظلمها وقد حث الإسلام ولي الأمر على اختيار الرجل المناسب الصالح الملتزم بالدين والأخلاق. وعلى الفتاة اللجوء إلى المحاكم لتزويج نفسها إذا أصر ولي الأمر على الرفض. كما أنه لابد من زيادة الوعي الثقافي والفكري داخل البيوت لتفادي هذه المشكلة. ويُحذّر آل حبشان من أن عضل الفتاة يُسبب لها صراعاً داخلياً بين رغباتها التي فطرها الله عليها من ناحية، وبين أعراف وتقاليد المجتمع وإصرار ولي أمرها على منعها من الزواج دون أي مبرر معقول. كما قد تدخل أيضاً في صراع في علاقتها مع والديها، وما هو منتظر منهما لرعايتها وحمايتها وتلبية رغباتها العاطفية والمادية وبين حقيقة تسلطهما وتحكمهما في حياتها بطريقة غير إنسانية، أو شرعية، الأمر الذي يجعلها عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية. فالاضطرابات النفسية للفتاة تمتد إلى إصابتها بالقلق، والتفكير الدائم في المستقبل، مع عدم الشعور بالأمان الذي قد يؤدي بدوره إلى الاكتئاب وتكوين أفكار غير سوية أو اضطهادية، مع سلوكيات غير مقبولة ضد الوالدين أو المجتمع كله، نتيجة الشعور بعدم إنصاف المجتمع لها ، وتخليه عنها. ويصف آل حبشان العلاج بقوله: لابد أولاً أن يفهم الآباء مدى حرمة العضل على الفتيات وأنه يخالف الشرع. ولابد من نشر الوعي الاجتماعي والثقافي والفكري بصورة أكثر في البيوت عن طريق زيادة البرامج الاجتماعية والأسرية التي توضح مدى خطورة تأخير الفتاة في سن الزواج، وعدم إظهار المرأة المتأخرة في الزواج بصورة غير لائقة وبمسميات ربما تكون جارحة لمشاعرها، ومراعاة الله ورسوله في الفتيات والنساء عامة. ---------------------