«لما لا أتمكن أن أخطب لنفسي رجلا؟» عبارة مدوية في قلب امرأة خضعت لواقع التقاليد وفاتها قطار الزواج. وهنا تتراكم مجموعة من الأسئلة فأين ذهبت مقولة إن المرأة نصف المجتمع وهي من يشاطر الرجل حياته في شتى الظروف؟!. أليست العلاقة الزوجية بين الجنسين مبنية على أساس موافقة الطرفين وارتياحهما للآخر!! وهل المرأة تظل رهينة بيتها وخلف بابها تنتظر من يطرق بابها دون أن تتمكن الخطبة لنفسها؟! أيعقل أن تنظر إلى قطار الزواج يمر أمامها سريعا دون استخدام الفرص الحلال المتاحة لإنقاذ نفسها!! ليظل السؤال الأهم هل الشرع كفل حق الرجل بالبحث عن شريكته والزواج متى أراد وبمن رغب، ولم يكفل للمرأة هذا الحق، فهل كفة الميزان متوازنة أم رجحت لصالح الرجل؟! «عكاظ» فتحت هذا الملف وطرحت هذه الاستفهامات على المختصين من شرعيين وفقهاء واجتماعيين وخرجت بالإجابات التالية على استفهاماتها: البداية كانت مع الفتاة «ج.ن» التي قالت «أتعجب من القاعدة المتفشية بين المجتمع في أحقية بحث الشاب عن شريكة حياته إن كان جاهزا بينما تمنع المرأة الحق وإن كانت مستعدة في عز شبابها وجمالها وقوتها ولا ينقصها شيء». مضيفة «أنا وغيري أصبحنا رهائن القاعدة المجتمعية البائسة فعمري تجاوز الخامسة والثلاثين وأنتظر الزوج ولم يتقدم لي حتى اليوم سوى شخصين غير مناسبين حسب نظرة أهلي لكن أخي الذي في البيت فتقدم قبل زواجه لخمس حتى ارتاح لإحداهن»، وتساءلت متحسرة على ما فات من عمرها «لم لا يسمح للفتاة اختيار زوجها في حدود العلاقة الشرعية وعلى سنة الله ورسوله؟!». وأكدت معرفتها نساء تجاوزن الأربعين دون زواج، وتساءلت مرة أخرى «من يضمن لهن العيش بعد هذا العمر بطريقة هنية؟!»، مشددة على أن الحياة ليست أكلا أو شربا أو نوما فهذه من النعم ولكن المرأة ترى أحيانا الزواج جل النعم وذا أهمية ولو عاشت مع زوج فقير. ولم تكن مأساة «ف. ع» بأقل مأساوية عن مأساة سابقتها إذ قالت «أنا غنية ولدي المال لكني أرى وسائل ترفيه الحياة في كفة والزواج في كفة أخرى». مبينة أنها دخلت العنوسة ولم تسمح لها العادات المتبعة مصارحة والدها بمن ترغبه وإن كان مناسبا وصاحب أخلاق، مضيفة «تمنيت لو كنت شابا لأعيش باطمئنان وأحس الحياة في يدي متى اجتهدت، لكن الفتاة مهضومة وإن كانت في أعلى المناصب فلا ثمرة تجدها إن حرمت». نظرة ناقصة وعلقت عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سهيلة زين العابدين على هذا الموضوع بقولها «أعظم زواج في التاريخ هو زواج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم فقد تجاوز المعوقات والحساسيات واختارت زوجها عن طريق شخص بل وأحبها عليه السلام ولم يتزوج عليها حتى ماتت». وتأسفت زين العابدين من نظرة الناس للمرأة، وما يقال عنها بأن حقوقها ناقصة، إضافة لعدم أهليتها رغم وجود آيات تساويها بالرجل كالحدود والقصاص والعقود وأحقية ولاية نفسها، واستشهدت سهيلة بأحقية المرأة من خلال ائتمانها في رواية الحديث ولم تتهم في حين ثبات بعض التهم على الرجال في الرواية. ولفتت إلى أن عدم صحة الزواج إلا بموافقتها دليل أحقية المرأة في اختيار زوجها بالطريقة التي تريدها، وشددت زين العابدين على أن ولي الأمر لا يحسن الاختيار أحيانا، وقالت «ليس عقله مقدسا فلم تمنع المرأة اختيار عريسها في ظل عدم احتكار أحد للرأي السديد». وبينت أن ولي الأمر ربما تجاوز الثمانين ولا يحسن الاختيار لابنته، ولاحظت زين العابدين أن بعض الآباء يجتهدون أحيانا في اختيار العريس فيكتشفون بعد مدة إخفاق الاختيار كأن يكون مدمنا أو يؤذي الفتاة. وتساءلت هل الشاب المتاح أمامه أنواع الزيجات وحرية اختيار شريكة حياته ذو عقل يمكنه الوصول إلى نتيجة سليمة واختيار موفق؟!. مضيفة «رغم فرصة الابن الكبيرة فإن النتائج تأتي عكسية، مؤكدة على عدم صحة الحكم على الفتاة بعدم أهليتها فهي والرجل سواء، وأشارت عضوة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى قرار يقضي بأنه بعد بلوغ الفتاة سن ال25 ورفض والدها والقاضي تزويجها فلها أن تزوج نفسها. وبينت أن أبا حنيفة قال بأحقية الفتاة في تزويج نفسها مؤكدة أن عائشة رضي الله عنها وهي الطاهرة الفقيهة العالمة زوجت ابنة أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر. مؤكدة ضعف الحديث المستشهد به (لا نكاح إلا بولي) قائلة لو صح لمنع الاستشهاد بقول أبي حنيفة، وأضافت أن حديث (لا يزوج النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا أولياؤهن) من الأحاديث الموضوعة. تفرقة عنصرية وبينت أن الفتاة لو أفصحت عما داخلها ورغباتها لا يهمها المجتمع، ولتعرضت لأنواع العنف وربما وصل للإيذاء الجسدي كما ستصاب بمشاعر التجريح، متسائلة كيف يكون مصيرها لو عرضت نفسها للزواج كما فعلت خديجة رضي الله عنها؟!. ولفتت إلى أن ممانع الزواج عن البنت أحيانا هم أهلها فوالدتها أو والدها وإخوتها ربما رفضوه لأنه لم يناسبهم دون الرجوع للفتاة ولو صارحتهم بالموافقة وأن الأمر لها لتعرضت للإساءة. مؤكدة أن المرأة صاحبة المكانة المرموقة والشخصية القوية غير الساذجة يمكن أن ترسل من يكلم الرجل عنها وتنبيهه عليها فلربما يريدها أيضا ولم يتقدم لمكانتها. وتابعت قائلة «من الظلم منع المرأة الإفصاح عن رغباتها وإن فعلت تعرضت للإهانة، أما الشاب لو أخبر بما في قلبه لفرحوا له». وبينت زين العابدين أن الشاب لو بلغ ال 15 ورفض أبوه تزويجه فإن قانون الزواج ينص ذهابه للقاضي، أما الفتاة وإن بلغت ال40 لاتهمت بالعقوق عند الفصح. عادات المجتمع ووافق استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد كلام عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سهيلة زين العابدين موضحا وجهة نظر علم النفس في المسألة بقوله «يمر علينا فتيات يرغبن الزواج وخطبة أحد الشباب لكنهن لا يستطعن بسبب العادات المجتمعية». مضيفا «زواجنا التقليدي جعل الفتاة تلجأ لعلاقات الظلام لرغبتها الحصول على زوج بعيدا عن الطرق التقليدية وإن لم يفصحن عن الزواج، قائلا للأسف يستغل بعض الشباب العلاقة لأسباب غير الزواج». وأكد أن كثيرا من حالات الطلاق نتجت لأن الشاب لم يتعرف على الفتاة قبل اقترانه بها. مشددا على عدم تشجيعه للعلاقات قبل الزواج كونها تؤدي إلى الرذيلة داعيا إلى معرفة الشاب بالفتاة بعد الخطوبة ضمن تعاليم الشريعة بحضور الأهل والبعد عن الخلوة، قائلا «إن وجد التوافق فيتم الزواج لكن رؤية الشاب للفتاة للحظات تسمى النظرة الشرعية دون أن يعرف عنها شيئا يؤدي لنتائج سلبية». وطالب الحامد بتجديد طريقة الزواج في العصر الحديث، مبينا مشروعية خطبة البنت وقبول ذلك بالعقل مع عدم إمكانية التنفيذ والسبب رؤية الشاب للفتاة بالنقص عند مصارحتها وربما استخف بعقلها إلا إن كان عاقلا وهذا لا يتوفر إلا في حالات قليلة. ولاحظ الحامد أن المجتمعات المفتوحة تستصعب خطوبة الفتاة للشاب بينما المجتمعات الغربية يرتبط الشاب بالفتاة على معرفة وقناعة لذا تكون حالات الطلاق لديهم أقل منا. دراسة علمية وانتقدت عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة إلهام باجنيد التفرقة العنصرية بالتعامل بين الرجل والمرأة في هذه المسألة بقوله «نعمل على عصمة الشاب من الفتنة بكافة الأساليب، ونحرص تزويجه بمن يرتضيها ليغض طرفه عن الحرام. مؤكدة على أن المرأة كالرجل تتعرض للفتنة، ومع ذلك لا تتزوج كطريقته بل تنتظر تقدم خاطب لها، فإذا لم يتقدم ظلت بلا زواج قضت كامل عمرها بدونه، رغم احتياجها له. وبينت أن هذه العادة جعلتها ترضى بأي متقدم لئلا تضيع الفرصة التي قد تحصل على غيرها بعد زمن، متسائلة أليست المرأة إنسانيا ترجو الفرصة المتوفرة للرجل في الاختيار بدل الانتظار؟!. وواصلت تساؤلاتها عن كيفية الآلية المتبعة لحل المسألة؟!، وطالبت بوضع دراسة شرعية واجتماعية لحل هذه المسألة خصوصا في ظل ارتفاع نسب العنوسة.