الاستحداث الجديد لمركز يعنى بعلاج فتيات وقعن في براثن المواد المخدرة في جدة واستقباله الكبير لمن قصدن المركز للتعافي، يكشف عن مدى الحاجة الملحة لوجود مثل هذا المركز، وأن الاستحداث للمركز كان يجب أن يتم منذ أعوام. تدور دائما قصص الإدمان من قبل الجنسين في الخفاء، لكن الصورة النمطية عن أماكن التعاطي تبدلت؛ فالغرف المظلمة صارت قاعات فارهة، والأوكار المنزوية في الأحياء الشعبية غدت في باحات الجامعات. إنها مؤشرات بالغة الخطر، والأدهى من كل ذلك أن تتحول (بنت الناس) أي (بنت ناس) إلى ناس لديهم بنت مدمنة. «عكاظ» وقفت على حالات لفتيات أدمن، وجالت في القسم النسائي الجديد في مستشفى الأمل في جدة وخرجت بالتفاصيل التالية: شعرت (حصة) بفراغ عاطفي كبير استوطن داخلها؛ نتيجة انفصال والديها، وعشعشت في رأسها أفكار من قبيل؛ «أنا محرومة»، «لا أحد يهتم بي»، لتبدأ في البحث عن مستقر نفسي أو مسوغ تتكئ عليه للانطلاق إلى عوالم ترى بأنها تحقق شخصيتها التي هي بالأساس هشة جراء فراق الوالدين، وعندما لاحت بوادر فرج بحسب مخيلتها، وكان ذلك متمثلا في شاب تقدم لخطبتها، سلمت مصيرها ليده فأخذها إلى عالمه الأزرق المتشكِّل من لفافات المجهول، وأخذت تحرق معه مراحل العمر اليانعة، استمرت مع خطيبها المدمن أشهرا طويلة تتعطى معه كل شيء إلى أن اكتشفت والدتها ذلك فأنهت علاقتها معه، لكن (البنت) كانت قد وصلت إلى مرحلة الاحتياج للمخدر، لتبدأ الأم في مرحلة بحثٍ مضنٍ عن مخلص طبي ونفسي، ولم تكن جدة تحتضن مشفى يساعد على التخلص من الإدمان، فاتجهت بابنتها صوب إحدى الدول العربية التي توفر مصحات لعلاج الإدمان، وتقطع على ابنتها طريق الرجعة إلى الدخان الأزرق. المرارة كانت في تجربة فتاة أخرى مع المخدرات، إنها (منى) تلك الفتاة التي وجدتها أسرتها ملقاة على سريرها جثة، ملقاة لا حراك ولا روح فيها، كانت منى وادعة وأنيقة تخرج صباحا باتجاه جامعة الملك عبد العزيز، تتعلم في ردهات الجامعة رسم خطوات المستقبل، لكن في إحدى زوايا كليتها التي تتلقى منها تخصصها تربّصت بها فتاة تحمل في مخابئ ملابسها (الموت البطيء)، قابلتها بضحكة ماكرة، تقربت منها، بدأت تنسج من حول منى خطوات (الشم) فوقعت في المستنقع، بعد فترة من العلاقة بين منى وفتاة السوء حدث ما لم يكن في الحسبان.. ماتت منى. ترى الأخصائية النفسية رضية الحكمي أن المدمنة تحتاج إلى علاج نفسي لإعادة تغيير سلوكها ونمط حياتها، «وأفضل علاج للمدمنة هو التزود بالعبادات والتدريب على المهارات عبر المشاركة في الأنشطة الثقافية والعلمية والمجالات الحيوية». وأشارت حكمي إلى التقائها بفتيات كثر في برامج التوعية يطلبن استشارة ومساعدة. بينما أرجعت الدكتورة ابتهاج فلاتة ظاهرة انتشار المخدرات وتعاطيها بين الفتيات إلى العديد من الأسباب؛ ومنها النفسية والاجتماعية والأسرية ومنها التفكك الأسري الذي يؤدي إلى لجوء الفتيات إلى مرحلة الإدمان للهروب من الواقع الذي تعيش فيه. وأوضحت أن طالبات المرحلتين المتوسطة والثانوية، وطالبات المرحلة الجامعية خاصة، هن من ينتشر بينهن تعاطي المخدرات والحشيش بالذات، واعتبرت افتتاح قسم نسائي في مستشفى الأمل في جدة يساعد على تحسين وضع المدمنة من الناحيتين النفسية والاجتماعية وهي خطوة جيدة لمعالجة المدمنات. من جهته، أكد استشاري الطب النفسي في مستشفى الأمل في جدة الدكتور محمد الجندي، عدم توفر إحصاءات دقيقة حول نسبة المدمنات في جدة. مبينا أن المستشفى وظفت 26 موظفة في التخصصات الطبية، النفسية، الاجتماعية، الدينية والتمريضية الأخرى. وأوضح الدكتور الجندي أن القسم النسائي عمد إلى تشغيل العيادات الخارجية لاستقبال المراجعات وتقديم الخدمات العلاجية لهن على أن تستمر هذه المرحلة لمدة ستة أشهر ثم يتم تشغيل 20 سريرا. وأكد عضو مجلس الأمناء في الهيئة العالمية للمرأة والأسرة والاستشاري النفسي الدكتور خالد باحاذق، أن المرأة اليوم أكثر إدمانا من الرجل، وهي بحاجة لمن يوفر لها كافة المتطلبات و الرعاية الطبية اللازمة «فثمة مدمنات أصبحت لديهن الرغبة للعودة إلى تعاطي الحشيش وتوزيعه عندما أغلقت أبواب العلاج، ولم تجد البعض منهن جهة تتولى عملية العلاج». ويرى باحاذق أن مستشفى الأمل في جدة يحتاج في قسمه النسائي إلى عشر أخصائيات نفسيات، والمستشفى يحتاج إلى جهد للتركيز على سياسات وإجراءات وأسس لتقديم خدمة علاجية صحيحة. وتقول الباحثة الاجتماعية عفاف الحربي، إن المجتمع ينفي أن تكون المرأة مدمنة مخدرات، وهذا يضر أكثر مما ينفع، ومنذ مدة ونحن ننادي بوجود قسم نسائي في مستشفى الأمل لزيادة عدد المدمنات في المملكة، خصوصا في السنوات الأخيرة. وتضيف الحربي «يجب أن تتوافر أسرة كافية لاستيعاب عدد المدمنات، حتى لا يسهم في تدهور حالتهن الصحية للأسوأ، والاستعانة بذوي الخبرات، لا أن نحتفل بافتتاح قسم نسائي في المستشفى، فحان الوقت لتجهيز كادر طبي مؤهل وتقديم محاضرات خصوصا عند الطالبات». وذكرت موظفة الاستقبال أمل سعد أنها وزميلاتها تلقت تدريبات على التخاطب مع المراجعات للقسم وإرشاد المتعاطيات. وأن عملهن يتطلب مهارة خاصة في التعامل مع الفتيات. وأوضح مدير عام الصحة النفسية والاجتماعية في وزارة الصحة الدكتور عبد الحميد الحبيب، أنه لا يوجد حتى هذه اللحظة إحصائية دقيقة لعدد المدمنات في المنطقة. مشيرا إلى أن عدد المراجعات قليل في كلٍ من الرياض والدمام، والاحصائيات تكون عادة موجودة في الجهة الأمنية التي تقبض على الحالات واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، والعدد مهما يكن بسيط فالمستشفى مضطرة إلى أن توجد الخدمة العلاجية للمدمنة». وكشف الحبيب عن خطة مشروع جديد لمستشفى الأمل لمعالجة الادمان «ونحن في طور استلام أرض بالقرب من مستشفى الحرس الوطني، بسعة 500 سرير». من جهته، أكد القاضي في المحكمة العامة في جدة فيصل الشيخ عن قرب افتتاح محكمة خاصة للقضايا الجزائية ومحاكم للأحوال الشخصية والقضايا الجنائية الخاصة بالسجناء؛ ومنها قضايا المخدرات «ونحن بانتظار الجهات المختصة لإصدارها، وتمت مناقشة هذا الموضوع من قبل مجلس الشورى الذي سيعمم على جميع مناطق المملكة».