وحده صوت السيارات ينتشل ليالي حي قويزة المنكوب من صمتها الجنائزي الرهيب، إذ لا تبلغ الساعة الثامنة في كل يوم إلا والناس نيام، إما من الإرهاق أو من الكهرباء المقطوعة، فيما تقطعت حبائل أصوات البشر نحيبا على دماء أبنائهم أو أقاربهم التي لم تجففها تربة المقابر. وكشفت جولة «عكاظ» على منازل الحي حجم الألم الذي تعتصره قلوب ساكنيه من مأساة حفرها السيل في مجاري قلوبهم قبل أن تخط سيرها باتجاه المصدات المغلقة. وعلى جانبي الطريق تطالع القادم إلى قويزة كوام كبيرة من الأثاث التالف المغطى بالوحل، لم يتمكن ساكنوا منازل الحي من تحمل نفقات نقلها إلى أمكنة خارج إطار الحي، على أمل أن تأتي شاحنات الأمانة وتحملها عنهم كي لا تزيد المأساة مع انتشار الأوبئة والحشرات على الطرقات وفي الأحياء. ولا تحتاج آثار الخراب والدمار إلى مجهر أو عدسات مكبرة، وكل ما يحتاجه المرء أن ينظر وفي أكثر من زاوية ليرى البؤس يطارد عينيه في كل مكان. فيما أصحاب المحال التجارية شرعوا في تنظيف محالهم وإزالة أكوام الطين التي تراكمت في داخلها حتى أصبحت تشكل قاسما مشتركا وسمة بارزة بين شوارع حي قويزة والبستان والصواعد، إذ مهما جال بصرك في شوارعها يظل الطين هو السمة الأبرز إلى جانب مستنقعات المياه. ورصدت «عكاظ» الكثير من سكان قويزة وهم يعودون ليلا إلى منازلهم التي هجروها بعد سيول الأربعاء الأسود لتنظيف منازلهم التي امتلأت أثاثاته بالماء المعجون بالطين، فيما يحاول موظفو الأمانة القضاء على الحشرات الضارة بميدات حشرية يرشون فيها برك المستنقعات. وفي المقابل كشفت كارثة قويزة عن حجم التكاتف بين المواطنين والمقيمين وأظهرت عشق الكثيرين للعمل التطوعي وتقديم فعل الخير على أي فعل آخر، إذ تجوب شوارع الحي سيارات كبيرة محملة بمساعدات عينية ومياه يوزعها شبان ملثمون بأشمغتهم رفضوا كل محاولات التصوير «نحن نعمل للخير فقط، ولا نريد التصوير». وفي هذه الأجواء، يزداد حرص الجهات الأمنية على التواجد في مثل هذه الأماكن، إذ تحولت مداخل ومخارج شوارع قويزة إلى ما يشبه الثكنات العسكرية والتي تجوبها السيارات الأمنية بكثافة، ولا يكاد يخلو منها شارع مهما كان صغيرا، منعا من وقوع حوادث السرقة أو أي عمل جنائي آخر. كما لم تغب سيارات المرور عن المشهد الأمني في قويزة، فقد اختارت لها مواقع خارج تلك الأحياء لتنفيذ خططها التي وضعت بعناية لتحويل مسارات الشوارع إلى أماكن بعيدة عن الحفر لحماية السيارات العابرة للحي المنكوب. وطالب عدد من سكان تلك الأحياء عبر «عكاظ» أمانة جدة بدفع أجهزتها لرفع المخلفات من شوارعهم ومحالهم التجارية التي راكمتها السيول وإعادة صناديق النفايات إلى الحي بعد أن حملها السيل خارج منطقتهم وتجفيف الشوارع من الوحول والأمطار والسيول. وقال أحمد مشعل السلمي، مشيرا إلى أثاث منزله، كما تشاهدون الآثار الكارثية التي تسبب بها السيل، ورغم مرور أكثر من 16 يوما على الكارثة لم تتحرك الأمانة لرفعه، ما جعل المنظر مزعجا والروائح الكريهة بدأت تنبعث منها والخوف من أن تستمر حتى تتحول إلى بؤر للأمراض وملجأ للبعوض والحشرات. ويضيف سليم مضحي الحربي بأن الذباب يتكاثر في قويزة أكثر من أي وقت مضى، ومعها الحشرات الضارة وأكثر ما نحتاج إليه هو الرش المتواصل صباحا ومساء؛ لمنع توالد الحشرات قبل رفع مخلفات المنازل من الشوارع. ويؤكد سعود الحازمي (ساكن)، على أهمية ردم حفريات شوارع الحي التي امتلأت بمياه الأمطار، ما جعلها تشكل خطرا على المارة والسيارات ليلا ونهارا، خاصة أنها مغطاة بالمياه ولا يشاهدها السائق.