يوجد استسهال إعلامي واضح في استخدام الألفاظ والعبارات المسمومة وغير المحترمة، والقضية بالتأكيد لا علاقة لها بالصحافة المطبوعة وإنما التلفزيون والإذاعة، وقد وصلت إلى مستوى الظاهرة في أمريكا وفي محطات عربية تبث برامجها من لبنان ودبي ومصر، ولم تسلم منها حتى «بي بي سي» البريطانية، ومن الأمثلة الطازجة مقابلة هاتفية أجراها هذه السنة راسل براند وجونثان روس مع ممثل كوميدي لعب دورا مهما في دراما بريطانية، والدراما المذكورة كانت تعرض في سبعينيات القرن العشرين واسمها «فولتي تاورز»، وأصحاب البرنامج او راسل وجونثان استخدما لغة جارحة جدا ومستفزة مع الضيف، والمصيبة أن المقابلة على المحطة الإذاعية الثانية في «بي بي سي» لم تكن حية على الهواء بل مسجلة، وقد ترتب عليها وصول ما يقرب من ثلاثين ألف رسالة احتجاج إلكترونية إلى الشبكة، والرسائل أدت إلى اعتذار المحطة الإذاعية للجمهور مع وعد بعدم تكرار هذا التصرف، وأجبرت مديرة المحطة ليزلي دوغلاس على الاستقالة، وأثارت ضجة إعلامية في صحافة التابلويد، وأيضا تسببت في إيقاف راسل براند عن العمل لمدة ثلاثة أشهر وتقديم جونثان روس لاستقالته، والأخير وقع قبل المشكلة عقدا مع هيئة الإذاعة البريطانية بقيمة ثمانية عشر مليون باوند. أما في الولاياتالمتحدةالأمريكية فإن إحصاءات هيئة الاتصالات الفيدرالية في أمريكا، تؤكد ارتفاع اعتراضات الجمهور على الألفاظ الخارجة، وأنها بلغت مليون رسالة في سنة 2004، والسابق أسهم في إصدار قانون في سنة 2006 يمنع تجاوزات الإعلام اللفظية وبالذات ما يعرف ب «الكلمات السبع القذرة» ويرفع كذلك الغرامات المترتبة عليها من اثنين وثلاثين ألف دولار إلى ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألفا، ونشرت الواشنطن بوست في 16 يونيو 2006 بأن الغرامة تكون على كل مشهد أو عبارة أو لفظ خارج وليس على البرنامج بالكامل، ما يعني أن الغرامات ربما تجاوزت سقف المليون في البرنامج الواحد، والمسألة لم تمر مرور الكرام على أهل التلفزيون والإذاعة في أمريكا، وهم مازالوا يطالبون هيئة الاتصالات الفيدرالية بتحديد دقيق للممنوع وغير الممنوع في الكلام الإعلامي، ويرون أن القوانين فيها تعويم وتعميم ويعتبرونها فضفاضة وبلا ملامح، ورقابة الهيئة على برامج المحطات التلفزيونية الأمريكية لا تحدث إلا بعد بث البرنامج وليس قبله كما هو الحال في الإعلام العربي، وللعلم فإن قوانين الهيئة تسري فقط على المحطات المفتوحة التي تنقل موادها على موجات حكومية ك«سي بي إس» أو «ان بي سي» أو «اي بي سي» ولا تشمل محطات «الكيبل» أو «القنوات المشفرة» ك«اتش. بي. او» أو «ام تي في»، والثانية تعتبر الأسوأ في توظيفاتها اللغوية للكلام الساقط بين جميع المحطات التلفزيونية في الولاياتالمتحدة، والأصعب أن جمهورها في الغالب من المراهقين والشباب في الدول العربية والغربية. إضافة لما سبق، وجد مركز الإعلام والشؤون العامة الأمريكي في إحصاءاته للفترة ما بين عامي 1998 و 1999 بأنه ومهما كانت نظافة البرامج المنقولة على محطات «الكيبل» أو القنوات «المشفرة» فإنها لا تخلو في أحسن الأحوال من ثمانية مشاهد أو عبارات فاحشة وساقطة عن كل ساعة بث، وحسب المركز فإن المتوسط في هذه المحطات عموما هو أحد عشر مشهدا أو عبارة ملغومة في كل ساعة، وقد يزيد الرقم في حالة «اتش بي او» وشبكة «شوتايم» إلى خمس عشرة كلمة أو لقطة فاحشة في الساعة، ولا أعتقد أن الوضع قد تحسن في الوقت الحالي، ثم إنني لا أملك في يدي مستندا يقف على تفاصيل الموضوع في «ام بي سي بلس» أو «اوربت» أو "اي ار تي»، وكتبت ديبرا فيشر وزملاؤها (2004) أن الكلمات والتلميحات والتصرفات الجنسية أو الفاضحة، تحضر بدرجة أكبر في الأغاني التلفزيونية تليها الإعلانات ثم الأفلام، وما ذكرته «فيشر» يخص محطات «الكيبل» الأمريكية، وللتوضيح فقد رأى دومينيك انفانتي وتشارلز ويكلي في: الكلام العدواني أو العنيف (1986) بأن الألفاظ المتجاوزة لا تقف عند حدود المحذور الجنسي أو ما يدخل في حكمه، وتستوعب زيادة عليها أي اعتداء ب «اللسان» يقلل من شأن الشخص أو يستهزئ برأيه أو يؤذيه نفسيا. الكلمات الملوثة أو النجسة دخلت إلى التلفزيون الأمريكي في ثمانينيات القرن العشرين، وتم ترديدها بشكل مبالغ فيه، نسبيا، في مسلسلات منها «انكل بك 1989» و «ان واي بي دي بلو» ما بين عامي 1993 و 2005، وفي المسلسل الكرتوني «ذي سيمسونز» الممول من مجموعة «فوكس الإعلامية» والذي ولد في سنة 1989 ومازال مستمرا، وفي الوثائقي «كوبز» منذ 1993 وحتى الآن، وفي سلسة الرسوم المتحركة القصيرة «ساوث بارك» على محطة «كوميدي سنترال» من سن،1997، وهناك عقود لمواصلة إنتاجها إلى سنة 2011، ولا أنسى أفلام العصابات والمافيا والمخدرات ونموذج عليها فيلم «يونين سكواير 2004»، والمحطات التلفزيونية في أمريكا وفي غيرها، لجأت في السنوات الأخيرة إلى حل توفيقي يعالج قضية الكلمات الجارحة للذوق العام، والحل هو اعتراض الكلمة الخارجة بصوت يمنع وصولها إلى المشاهد، والصوت أشبه ب«البوري» أو «الونة الخفيفة»، إلا أن حركات فم المقدم أو الضيف أو الممثل أو الشخصية الكرتونية قد تفضح الكلمة، وأحيانا يكفي الصوت لتحرك فضول المشاهد ورفع معدل «أدرينالين» الحرص والإصرار على فك شفرة الكلمة المحجوبة ب«الونة». الكلام الساقط في الإعلام قابل لأن يلتقطه الصغار والمراهقون، ويحاولون من خلاله التعبير عن آرائهم ومواقفهم، ولغة التلفزيون يفترض أن تكون صديقة للعائلة أو «فاميلي فرايندلي» وأجد أن الأمور في الإعلام العربي بحاجة إلى ضبط قانوني صارم وغير مجامل، يقلل من فرص خروج أجيال جديدة في منتهى «الدشارة» و «قلة الادب». binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة