الأنقياء وحدهم يشعرون بحجم الفارق عند مخالطتهم «غرز» الفساد، فارق التفكير والطموح وحالة الغربة والصدمة عندما يستظلون مع حفنة الانتهازيين والوصوليين وعشاق الكراسي تحت مظلة عمل واحدة، فيحملون معهم لائحة النقاء وإن كان الجو مختنقا برائحة الفساد. مجتمع النقاء المنشود يعد ضربا من الخيال، والفساد يظل حاضرا مادامت النفس تتقلب بين «فجورها وتقواها» وتزكية وتدسية، وتأثيره لا يقتصر على صاحبه وإنما يشيع ثقافة تطال محيط المفسدين وتنتعش إن نام الرقيب وأغمد سوطه، وتصبح ثقافة الفساد شيئا من الاعتياد اليومي يواجهه المضطر في قضاء معاشه ومصالحه، رشوة وتلاعب بالمال العام ومتاجرة بالنفوذ وإساءة استعمال السلطة... وأمامها تتخبط النزيه مفردات النقاء ويعيش الفاسد أجمل لحظاته الراهنة. منذ مطلع شهر صفر سنة 1428 وأنا كغيري أترقب تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وتشكيل هيئتها عطفا على قرار مجلس الوزراء، وأظن أن الجو أصبح ملحا لذلك، لاسيما أن قرأنا مطالبات لجنة الإدارة والموارد البشرية في مجلس الشورى بأهمية الإسراع في إعلانها بصفتها الجهة المنظمة لبنود استراتيجية مكافحة الفساد، ولتعلن في الوقت ذاته هيئة الرقابة والتحقيق عبر تقريرها يوم أمس أن 34.5 في المائة من القضايا الجنائية التي حقق فيها أخيرا كانت لحالات تتعلق باستغلال النفوذ وإساءة استعمال السلطة الوظيفية، وأيا كانت طبيعة الرقم فهذا يعني: تعطيل وابتزاز واستهتار وفوضى وضرب للنزاهة في عمقها، خاصة أن كانت في الشأن العام المرتبط بمصالح المواطنين المجابهين بذوي الانتهاز ومستغلي النفوذ والكرسي في رفع شعار «مصلحتي أولا». الهيئة أفصحت في تقريرها عن الأعداد الكبيرة من المخالفات للأنظمة والتعليمات وقواعد العمل في عدد من الأجهزة الحكومية التي ترصد سنويا حالات لعدم الالتزام بتطبيق الأنظمة واللوائح من قبل المسؤولين والموظفين في عدد من الأجهزة الحكومية، ونتساءل بعد ذلك عن أسباب التخلف ودهن البيروقراطية المعتق في دوائرنا إذ لم نسمع رغم إفصاح التقارير عن معاقبة من قصر أو تخاذل، ولم نجد حضورا فعليا لأي بند من بنود الاستراتيجية التي تنص في بعض فصولها على «تقليص الإجراءات وتسهيلها ووضعها في مكان بارز حتى لا تؤدي إلى الاستثناءات غير النظامية» و «التأكيد على مديري الإدارات بإنهاء معاملات المواطنين ومراقبة الموظفين حتى لا يضعوا العقبات أمام تلك المعاملات»، وأكبر من ذلك أن تنشر ثقافة الاعتزاز بكونك «نزيها» بدلا من شعور الغربة والتصفية والطرد و «دهن السير». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة