د. سعد بن عبد القادر القويعي - الجزيرة لطالما كان الحديث عن الفساد الإداري من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها، أو الحديث عنها، إلا أنه في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن الفساد الإداري عبر وسائل الإعلام، والمؤتمرات، والندوات. ومن ذلك، ما أكدته هيئة الرقابة والتحقيق - قبل أيام - ، من أن (34.5%) .. ..من القضايا الجنائية، كانت لحالات تتعلق باستغلال النفوذ، وإساءة استعمال السلطة الوظيفية، وما ارتبط بذلك من فساد مالي وإداري. حيث وصلت قضايا استغلال النفوذ، وإساءة استعمال السلطة إلى (665) قضية. ويعتبر الفساد الإداري معضلة في تطور المجتمعات والدول، فبسببه تهدر الأموال والثروات والطاقات والأوقات، وتعرقل إدارة المسؤوليات، وإنجاز الوظائف والخدمات. إضافة إلى فساد الذمم والضمائر، وانهيار أخلاقيات وقيم العمل. وهي ظاهرة عالمية شديدة الانتشار، ذات جذور عميقة، وتأخذ أبعادا واسعة، ليست مرتبطة بزمان، أو مكان. مما جعل الكثير من الباحثين، يؤكدون على ضرورة وضع إطار عمل مؤسسي لعلاج المشكلة، ومحاصرة الفساد بكل صوره وأشكاله. - ولا سيما - أن الفساد الإداري، هو في المحصلة النهائية انتهاك للمعايير الرسمية، وخروج على المصلحة العامة، إذ إنه يعكس خللا في القيم، وانحرافا في الاتجاهات بطريقة غير موضوعية، وهذا بدوره كفيل بإيقاف عجلة التنمية، وتنفيذ خططها. وقد عرف معجم (وبستر) الفساد الإداري، بأنه: (إقناع شخص مسؤول عن طريق وسائل خاطئة كالرشوة - مثلا -، بانتهاك الواجب الملقى على عاتقه). فكل من تجاوز حدود وظيفته، بمخالفته الأنظمة المرعية لتحقيق مكاسب مادية، أو معنوية غير مشروعة، فهو داخل في دائرة الفساد، لأنه غلب مصالحه الشخصية على الصالح العام في صناعة القرار. لا شك أن الوظيفة تكليف لا تشريف، وأمانة يضعها ولي الأمر عند المسؤول الذي يجب عليه أن يقدر هذه الأمانة. وبالتالي لا يجوز له أن يستعمل وظيفته بقصد تحقيق نفع شخصي له، أو لغيره، سواء كان النفع ماديا، أو معنويا، لأن الوظيفة تتمتع بنوع من النفوذ، فهي تمنح شاغلها بعض الصلاحيات. فيجب على الموظف أن يوظف هذه الصلاحيات لتحقيق المصلحة العامة، وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحا ونافذا شرعا. وقد نصت المادة (12-1) من اللوائح التنفيذية لنظام الخدمة المدنية، على أنه: (يحظر على الموظف استعمال سلطة وظيفته ونفوذها لمصالحه المتصلة بعمله، وإجراء التسهيلات والمعاملات المطلوبة لهم في دائرة اختصاصه، وفي حدود النظام). ويتبين لنا من خلال ما سبق: أن النظام قد طالب الموظف بعدم استغلال وظيفته للنواحي الخاصة، بل عليه أن يوظفها فيما يحقق أهداف الوظيفة التي يشغلها. كما وضع النظام بعض التدابير والجزاءات تجاه الكسب غير المشروع من جانب بعض الموظفين الذين يستغلون وظائفهم من أجل الحصول على مكاسب مادية، من ذلك: 1. تضمن نظام مكافحة الرشوة بعض العقوبات المالية، وعقوبات السجن للموظف الذي يقبل الرشوة، أو يطلبها. 2. تم تشكيل هيئة خاصة يرأسها رئيس (ديوان المراقبة العامة)، وتضم محققين من (ديوان المظالم)، مهمتها محاسبة الموظفين عن ثرواتهم وثروات أولادهم وزوجاتهم، الذين لم يعرف عنهم التكسب. إن إدراك الوعي بمخاطر الفساد الإداري عبر توعية المجتمع بآثاره السلبية، وأضراره الجسيمة. وتفعيل الأجهزة الرقابية، من أجل حماية الأموال والممتلكات العامة. والحد من وقوع الغش والأخطاء، واكتشافها فور وقوعها مطالب مهمة. حيث لا يدرك جسامة هذه المشكلة إلا من سبر أغوار الفساد الإداري، وأحاط بأبعاده. ألم أقل لكم في بداية المقال: إن الفساد الإداري يعتبر معضلة في سبيل تطور الدول والمجتمعات؟.