يحوي كتاب «فقيد الشورى ذو الأمانتين» مقالات في أحد رجالات هذا الوطن هو الدكتور صالح بن عبد الله المالك. أعد الكتاب خالد بن حمد المالك وأهداه إلى كل من كتب عن الفقيد الدكتور المالك بعد وفاته وسانده في مرضه، ودعا له بعد رحيله، وشارك مع غيره في الصلاة عليه، وفي مواساة أهله وذويه، إلى كل أقربائه وزملائه وأصدقائه ومحبيه. في مقدمة عضو مجلس الشورى الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية الدكتور عبد الله الصالح العثيمين نقرأ: «لقد سعدت بمعرفة أبي هشام منذ نصف قرن، عرفته زميلا حين كنت طالبا في كلية الآداب بجامعة الملك سعود ثم زميلا بين أعضاء هيئة التدريس في تلك الكلية بعد عودة كل منا إلى الوطن مكملا دراسته العليا خارجه ثم زميلا في بعض الهيئات الاستشارية إلى أن توج ذلك كله بالزمالة في مجلس الشورى، الذي كان من توفيق الله أن أسندت إليه أمانته العامة، فأدى تلك الزمالة بإخلاص وجدارة تماما، كما أدى كل عمل أسند إليه القيام به. وعرفت أبا هشام رجلا إذا ذكر الباحث المدقق فهو هو، وإذا ذكر المثقف الواعي فهو هو، وإذا ذكر اللغوي باللغتين العربية والإنجليزية فهو هو، بل إذا ذكر العالم الموسوعي فهو هو أيضا. أما إذا أشير إلى نبل الصداقة الحميمة فذلك صفة من صفاته البارزة الحميدة، أو أشير إلى عظمة الأخلاق الإنسانية فتلك سمة من سماته الواضحة الجلية». كلام منصف يكتب خالد المالك في التصدير: «لم يكن ليكتب عنه ما كتب وأن يقال عنه ما قيل، وأن يستذكره الناس كما استذكروه وأن يتحدث عنه هذا الجمع الخير بمثل ما تحدثوا به من كلام منصف عن مسيرة الفقيد وأن يأتي حزنهم واساهم بفقده على هذا النحو لولا تقديرهم لأمانته وإخلاصه وكفاءته وحسن تعامله وهذا الفيض من الصفات التي كان يتميز بها في حياته، لم تترك أمام من تعرف عليه واقترب منه غير أن يقول عنه ما قاله هؤلاء من توصيف لمسيرته في الحياة». ويضيف المالك: لقد تميز الراحل في حياته في كل شيء؛ ثقافيا وعلميا وكفاءة في العمل في جميع المواقف التي عمل بها، «وكان ذا علاقات واسعة مع كل الناس، ومع مختلف المستويات، جاد في عمله بإخلاص، يشهد له به كل من عمل معه وإلى جانبه رئيسا كان أو مرؤوسا دون أن يشغله ذلك عن أداء واجباته الإنسانية ومتطلبات بيته وأسرته الحياتية مع حرص شديد منه على التواصل مع الأقرباء والأصدقاء والزملاء، ما جعل مرضه ثم وفاته صادما لكل محبيه وعارفيه ومن رأى فيه هذه الشمائل من الصفات». فقيه اللغتين رئيس مجلس الشورى سابقا، رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليا الدكتور صالح بن حميد وصف الراحل صالح المالك ب«ذو الأمانتين وفقيه اللغتين»، وقال إن حياة المالك «مدرسة في كل مراحلها، فهو الذي أبى إلا أن يدون في سجلات العالم شهادتي بكالريوس، إحداهما من كلية الشريعة والأخرى من كلية الآداب، وهو الأمر الذي يقل أن تراه إلا من النجباء الأفذاذ، سلك أبواب العلم فأعطى العلم وأعطاه، فخرج لنا أنموذج موسوعي في مختلف العلوم والمعارف، درس في أعرق الجامعات في العالم فنال شهادة الماجستير في علم الاجتماع ثم أتبعها درجة الدكتوراة في ذات التخصص فاضحى بها من رواد العلم والثقافة وصناع النجاح، إلى جانب ثقافة شرعية متميزة وفقه في اللغتين العربية والإنجليزية.. حافظ وقته بين التفكير والتحضير، منكب على عمله بين الإعداد والإنجاز». ويضيف ابن حميد: «لقد أثرى المكتبة رحمه الله من خلال تخصصه في علم الاجتماع والإدارة بعدد من الدراسات والبحوث العميقة والمميزة في الشؤون الاجتماعية والإدارية فأصل لعلم الإجرام ولفت الانتباه إلى فئة المعوقين وإمكانية تدريبهم وتأهيلهم وكتب عن مراكز التنمية والخدمة الاجتماعية ووضع رؤيته في الحلول لمعالجة مشكلة التسوى وعرف بثقافة الانتخابات». نغمة شاعر وتحت عنوان «فقيدنا الدكتور صالح المالك» كتب الدكتور عبدالعزيز الخويطر: «نجم أفل، وضياء خبا، ونور انطفأ، وصوت عذب انقطع، ونشاط متميز توقف، ونغمة شاعر خفتت. أجل نجم أفل من أفق مجتمع أصدقاء وزملاء ومحبين، له أهل وأقرباء، افتقدوا مع أفوله بسمة عذبة اعتادوا عليها.. وصوتا صادقا يتحرى الحق والصواب فيندفع به.. ويدفع عنه، افتقدوا رأيا صائبا ودفاعا لا يفتر عن حيز اللغة، نحو وبلاغتها وأصولها وافتقدوا بفقده ضياء كان يلقي أشعته على المسائل المدلهمة فيبدد دياجيها، ويكشف غامضها من واقع ملكة حبا لله صاحبها بها معضدة بتجربة طويلة مكنته من أن يكون الصعب عنده سهلا والمعضل في جوانب الحياة يسيرا وسواء كانت الشدة في النظام أو في العلم أو في الشعر أو في أمر من أمور المجتمع العريقي المنداح». ويكتب الدكتور محمد عبده يماني تحت عنوان «صالح المالك مسيرة عطاء»: «كان ممن يألف ويؤلف، ومن رجال المجتمع المرموقين، واطلعت على جهوده العلمية.. وسبحان الله كيف كان عطاء هذا الرجل كثيرا وواسعا ومتعدد الأغراض، كسب به احترام الناس وتقديرهم، ذلكم هو الأخ الدكتور صالح بن عبد الله المالك الذي فجعنا بسماع خبر وفاته في وقت كنا ننتظر فيه عودته إلينا، ولكنها مشيئة الله ولا راد لقضائه وليس لدينا في مثل هذا الموقف الجلل إلا نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون». اللامركزية ويكتب عبد الله النعيم تحت عنوان «إلى جنة الخلد يا أبا هشام»: «كان المرحوم نعم الصديق والرفيق، كان متواضعا إلى أبعد التواضع، وكان طلق المحيا باسم الوجه يحترم الصغير والكبير يفرح بحل مشاكل الآخرين. تقلد عدة مناصب لكني زاملته عن قرب عندما كان وكيلا لوزارة الشؤون البلدية والقروية متعاونا مع الجميع يؤمن باللامركزية ويعطي الثقة والتشجيع لمن يعملون معه وتحت رئاسته، ولذلك كان الإنجاز كبيرا يبتسم في وجه المراجع». أما الدكتور علي النملة فجاءت مقالته تحت عنوان «معالي الأمين صالح المالك»، التي قال فيها: «مارس الدكتور صالح المالك عضويته في مجلس الشورى بفعالية منقطعة النظير من حيث حماسه للفكرة البرلمانية، بالإضافة إلى إسهاماته في الارتقاء بمكانة المجلس على المستويين المحلي والخارجي». نخبة من الكتاب هناك مقالات وكتابات أخرى حملها الكتاب لنخبة من الكتاب والأدباء والمثقفين.. من أبرز هؤلاء الدكتور حمد المانع والدكتور يوسف العثيمين والدكتور علي بن طلال الجهني والدكتور عبد الرحمن الشبيلي والدكتور أحمد الضبيب والدكتور حمود البدر وسعد البواردي والدكتور إبراهيم العواجي والدكتور عبد الرحمن الشبيلي والشيخ عبد الله بن إدريس وآخرين. يقول الدكتور محمد أحمد الرشيد في مقال بعنوان «الخطب الأعم.. والحدث الجلل»: «الوطن يفقد الكثير بين الناس كل يوم.. لكن فقد مثل هذا الإنسان أكبر خسارة وأعم جزعا من كثير غيره لأنه يمثل الوطن أعظم تمثيل في العالم، الذات المعرفية والثقافة ونموذج الشخصية النبيلة والصورة الراقية لهذا الوطن الكبير». فيما كتب الدكتور علي بن طلال الجهني قائلا تحت عنوان مقالة اسماها «صعوبة الشكر»: «لقد كان رحمه الله رجلا وفيا لزملائه وأصدقائه وأسرته المعروفة لوطنه، أحبه كل من عرفه متحدثا مريحا للنفس وأنيسا فقيها من فقهاء اللغة العربية، يحفظ الشعر ويقول في (إخوانياته) المعروفة بامتاعها لكل من يقرؤها، غير أنه لم ينشر عنه شيء يقارب ما نشر أخيرا مع استحقاقه له لو كان حيا.. لماذا؟». الكتاب حمل إضافة إلى المقالات والكتابات التأبينية صورا للراحل صالح المالك، تسجل مسيرته في حياته العلمية والعملية وجانب من حياته الأسرية والعائلية.. ورصد لذكرياته في مجال العمل الوطني والاجتماعي، والكتاب يقدم إضاءة عن الرجل الذي كان أحد الدارسين في علم الاجتماع وفي الكثير في مواقع وظيفية متنوعة وعبر مجالات مختلفة ويقدم أيضا تفاصيل عن الشخصية الأخرى المرتبطة بأصدقائه ورفقائه وزملائه في الدراسة والعمل.