ترى بعض الفتيات أن قطع العلاقة مع بعض أقاربهن أفضل من التواصل معهم، ويعززن ذلك بما وجدنه من عنت وأذى من بعضهم، ليعممن قطع الصلة مع جميع الأرحام خوفا من ظهور مشاكل أخرى. هذا يتمثل في جميلة أحمد ومنى ناجي ونادية عادل اللاتي يرفضن زيارة بعض أقاربهن وأرحامهن سواء في رمضان أو غيره، لأنهن حسب قولهن تعرضن منهم إلى كثير من الأذى لا يمكن أن تمحوه الأيام والسنون، موضحات أن من يصل رحمه هم أفراد لم يتعرضوا إلى الأذى مثلهن. ومع ذلك يصررن على أنهن لن يتعرضن للعقاب من الله بتلك القطيعة، لأنه «لا ضرر ولا ضرار»، والضرر في هذا المكان يوجب القطع. علاقة لا تنفك تعليقا على تلك الفتيات، يوضح الداعية الشيخ أحمد الزومان أن صلة الرحم الواجبة لا تتعلق بصلاح صاحب الرحم وفسقه، مشيرا إلى أن صلة الرحم واجبة للقريب الصالح والفاسق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»، مشيرا إلى أنه عليه الصلاة والسلام يؤكد أن الواصل الحقيقي هو الذي يصل من يقطعه من أقاربه، والقاطع فاسق بقطعه رحمه، ومع ذلك أمر النبي بصلته ولم يجعل فسقه بقطع الرحم مانعا من صلته. ويضيف الداعية الشيخ وجدي غنيم على ذلك بقوله: «إن الله تعالى أمر بصلة الأرحام، والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتهم والإساءة إليهم، وعد صلى الله عليه وسلم قطيعة الأرحام مانعا من دخول الجنة مع أول الداخلين، ومصل للمسيئين لأرحامهم بنار الجحيم». رؤى مؤيدة جميلة أحمد، مهرة ناجي، فدوى حسن، وندى أحمد لا يؤيدن ما قالته سابقتهن، ويؤكدن أن الخلافات الأسرية تتلاشى بالتفاهم والتسامح والعفو، مشيرات إلى أن قطع الصلة بين الأسرة الواحدة يسبب مزيدا من الخلافات بين الكبار والجفاء من الصغار، ووجهن دعوة للأسر المتنافرة إلى جعل المناسبات المختلفة مثل رمضان والأعياد فرصة لعودة العلاقات الأسرية بين ذوي الرحم. كما يؤكدن على ضرورة وجود حملة إعلامية لتعزيز القيم الإسلامية والمجتمعية في صلة الرحم، يشارك فيها مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة الإعلامية والاجتماعية. وتحسرت جميلة على تلك الأيام التي كانت تجتمع فيها الأسر يوميا في بيت أحدهم لتناول طعام الإفطار، وكل النسوة يشاركن بأطباق من الأطعمة يقمن بإعدادها في بيوتهن ثم يأتين بها، مشيرة إلى أن هذه العادة الجميلة اختفت لدى الجيل الجديد من الأبناء، وترجع ذلك إلى أن الحياة أصبحت سريعة جدا، فحل مكان الزيارات الاتصال الهاتفي أو رسائل المحمول أو البريد الإلكتروني. ويوضح الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي أن صلة الأرحام تبدأ باتصال ولو بالهاتف، وأعلى منه الزيارة، وأعلى منها التفقد، مضيفا بقوله: «هذا قريبك، أنت أقوى منه أو أغنى منه أو أعلم منه، ففي الحياة علم وقوة ومال، إما أنك أغنى منه أو أعلم منه أو أقوى منه، فالقوي يأخذ بيد الضعيف، والغني يعين الفقير، والعالم يعلم غير العالم، فبمجرد أنك تصل الأرحام، أي أنك بعد الزيارة لا بد من تفقد هؤلاء الأقرباء، اسأله عن صحته، عن أولاده، عن دراستهم، عن أعمالهم، عن معيشتهم، عن أوضاعهم، هذا نوع من الصلة». أسباب القطيعة حول ذلك تؤكد المتخصصة في علم الاجتماع نورة محمد أن من الطبيعي تغير ظروف العصر وعاداته من زمن لآخر، موضحة أن انخفاض صلة الرحم يعود إلى زيادة أعباء الحياة، وكثرة المشاغل لدى الناس مقارنة بالماضي، وتباعد المسافات بين البيوت، وأصبح كل رب أسرة يفضل قضاء يوم إجازته الأسبوعية بين أولاده أو شراء حاجيات منزله وأطفاله. ومع تلك الأسباب إلا أن نورة توضح حرص بعض الأسر على التواصل مع أقاربها وذوي رحمها، خاصة في رمضان، وبعضهم يكتفي بمكالمة هاتفية أو رسالة محمول. وتنتقد نورة الانتشار السريع لضعف الصلة بين ذوي الرحم لدى الكثير من أبناء المجتمع، موضحة أن روح التراحم والمودة والإخاء الموجودة في السابق تلاشت بوفاة رموز هذه المبادئ، ووجدنا جيلا جديدا لا يعرف أهمية صلة الرحم، وكل همه في الحياة التسلية وتحقيق الذات، وتناسى بأن الذات الحقيقية تكون من خلال الأسرة، مؤكدة أن الأسرة تلعب دورا مهما في تعويد الأبناء على صلة الرحم من عدمها. كما عبرت نورة عن خوفها من اليوم الذي لا يتعارف فيه أفراد الأسر الواحدة على بعضهم، مؤكده أن شهر رمضان فرصة لتصفية الخلافات بين الأسر وعودة الصلة بين أفرادها. زيادة الرزق ويؤكد مدير مكتبة الحرم المكي الشريف الدكتور محمد باجودة أن أحق الناس بالرحمة والشفقة، وخاصة في رمضان، هم الأقرباء وذوو الرحم، مشيرا إلى أن صلة الرحم من محاسن الأخلاق التي حث عليها الإسلام، وهي تزيد في العمر وتبارك فيه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثرة، فليصل رحمة»، و«لا يدخل الجنة قاطع رحم». وأكد الدكتور باجودة أن البعض يقصر في صلة رحمه رغم وسائل الاتصال الحديثة التي قربت البعيد، مع أن بعضهم يشد الرحال إلى مشارق الأرض ومغاربها للنزهة والفسحة، لكنه يتثاقل في زيارة أحد أقاربه أو أرحامه في نفس مدينته إن لم يكن في نفس الحي الذي يسكن فيه، مبينا أن من المؤسف أن البعض لا يعير صلة الرحم اهتمامه، بل عاتبهم لأتفه الأسباب، وربما يكون غنيا ثم لا يفكر بمواساتهم أو دفع إليهم من زكاة وصدقات أمواله.