قضايا المسلمون في الغرب متعددة، فمن المعايشة والاندماج إلى تصحيح الصورة المشورة عن الإسلام، مرورا بالعداء الذي يجده أبناء الجالية المسلمة من بعض المتطرفين الغربيين، إلى غير ذلك من القضايا المختلفة، ومع ذلك فإن المفكر الغربي المسلم الدكتور مراد هوفمان يتوقع أن يصبح المسلمون في الغرب قادة لتجديد الحضارة في الغرب، كما يرى أن النتاج الفكري والفقهي في الغرب أكثر منه من الشرق، معللا ذلك بالكتب التي تنشر باللغة الإنجليزية عن الإسلام أكثر منها من العربية، مضيفا: «وهناك مراكز ضخمة يقوم على إدارتها فقهاء ومفكرون كبار، يبذلون كل الجهد لخدمة الفكر والفقه الإسلامي، وهناك مفكرون مسلمون في الغرب يعملون ويكتبون وإنتاجهم أساس لتطوير الإسلام ولتحديد معالمه». تصحيح الصورة ترفضون استخدام الطرق التقليدية لتصحيح صورة الإسلام في الغرب؟ - للأسف فإن المسلمون يستخدمون أساليب تقليدية لتصحيح صورة الإسلام، مثل عقد المؤتمرات المتكررة التي تدعو إلى تصحيح صورة الإسلام بلا جدوى، ولكن يجب أن تكون هناك أساليب جديدة تقوم على العمل الجدي، لأن عقد هذه المؤتمرات وإلقاء كلمات مكررة يعطي انطباعا بأن المسلمين يفتقدون موهبة الإبداع. ولكي نعرف أن نتعامل مع الغرب، علينا أن نعرف الشرق والغرب معا، ولا يكفي أن نكون عارفين فقط بخلفياتنا الحضارية، فحين ندعو إلى الإسلام في الغرب لا بد أن نكون على معرفة بالغرب والغربيين وبالديانة المسيحية، وهذا يساعد على فهم هذا الغرب والتفاعل معه. وما هي مسؤولية الجاليات المسلمة في الغرب في تصحيح صورة الإسلام؟ - لا نستطيع تحميلها مسؤولية تصحيح الصورة المشوهة المتراكمة في أذهان الغربيين عن الإسلام عبر سنوات طويلة وأحداث كثيرة، ولكن الأمر يحتاج إلى استراتيجية متكاملة يتعاون من خلالها قادة المسلمين في الغرب وعلماؤها مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية داخل العالم الإسلامي وخارجه، وذلك لمواجهة الإعلام الغربي، ونشر صورة الإسلام وتوضيح صورته الحقيقية للعالم كله وبمختلف اللغات، وإقامة حوار عن الإسلام في وسائل الإعلام الغربية وفي الندوات والمؤتمرات. العداء قديم يطلق بعض المفكرين الغربيين على الإسلام الطريق الثالث.. ما رأيكم؟ - هي بحق توصيف للإسلام، من حيث لا يدري هؤلاء الغربيون، فوسطية الإسلام تتضح من خلال تقبل الإسلام للملكية الخاصة، وحرية التجارة، والكفاية الفردية، والحث على الإنتاج، والإسلام هو الحل الأمثل للمشاكل المستعصية التي يعاني منها الغرب. فالإسلام هو النور الحق والفكر الجديد الذي يظهر في أوروبا الآن، وينادى به فالغرب وإن كان يتمتع بكثير من الأفكار والعلم النافع، وبعض السلوكيات والأمراض الاجتماعية، فإن الإسلام يقبل منهم فقط الجيد والصالح. ما زال بعض الغربيين يشنون العداء ضد الإسلام وأهله.. كيف يمكن إيقاف ذلك أو حتى تخفيفه؟ - العداء للإسلام في الغرب له أسباب وجذور عميقة منذ أن نزل المسلمون أسبانيا ووصلوا إلى ألمانيا، وهنا قام المستشرقون ومعظمهم من رجال الكنيسة بنشر كتابات مغرضة ضد الإسلام، واعتبروه مصدر تهديد للمسيحية، وبالتالي اعتبر الغرب الإسلام مصدر تهديد، وتعزز ذلك بعد أحداث سبتمبر، وازدادت الحملة على الإسلام في الغرب، وبدأ ينظر الغرب للإسلام على أنه التطرف والإرهاب وغياب الديمقراطية وإقامة الحدود. علينا أن نعلم أن العقلية الغربية لا تزال محكومة بذكريات الحروب الصليبية، فالكنيسة الكاثوليكية لم تغير وجهة نظرها السلبية تجاه الإسلام بصورة كاملة، والإعلام الغربي لعب دورا كبيرا في تشويه صورة الإسلام ومهاجمته، والغربيون ينساقون وراء هذا الإعلام، ويخافون على حضارتهم الغربية من حضارة الإسلام، ويتخوفون من الزيادة المضطردة للمسلمين في الغرب. لذا فإن أفضل طريقة لتصحيح صورة الإسلام هي تطبيق تعاليم الإسلام ومبادئه الصحيحة وليست ممارسة شعائره فقط، لأن غير المسلمين عندما ينظرون إلى السلوكيات الشاذة لبعض المسلمين يأخذونهم على أنهم هم المسلمون الحقيقيون، وبالتالي يجب على المسلمين أن ينفتحوا على العالم وألا يحصروا الإسلام فقط في طقوس تمارس فحسب، كما يجب أن يطبقوا الإسلام قولا وعملا، وأن يظهروا خلق الإسلام وتسامحه وتعامله بالرحمة مع أصحاب الأديان الأخرى. طريق الوسط أبناء المسلمين في الغرب وقعوا ما بين المحافظة على دينهم، والأنصار في المجتمع الغربي.. هل يوجد حل في نظركم لتحقيق التوازن بين الاثنين؟ - المسلمون في الغرب على شكل فريقين، أحدهما من القادمين من بلدانهم الأصلية إلى الغرب، وتبنى هذا الفريق التصورات الغربية حتى النخاع، وفريق آخر اتخذ موقفا متشددا رافضا لسائر ما حوله. وليس أمامنا إلا الطريق الوسط الذي يلتقي مع الدين الإسلامي ويتفق مع الانفتاح على المنجزات العلمية والتقنية، دون الانسياق وراء تصورات منحرفة، وفي الإسلام الدواء الشافي لها، سواء من حيث تعامله مع العلم والعلماء، أم من حيث تعامله مع الأسرة والشبيبة والأطفال، أو تعامله مع مختلف المشكلات الاجتماعية الكبرى المعاصرة، فضلا عن ميزته الكبيرة المتمثلة في اطمئنان معتنقيه إلى أن النصوص الملزمة بين أيديهم، وهي بعينها تلك النصوص التي جمعها المسلمون قرآنا وحديثا منذ العهد الأول، وكان التحقيق فيها على أعلى المستويات العلمية والمنهجية.