في صحيفة «عكاظ الدين والحياه 15650» أجاب الدكتور الجرعي عن حكم إجراء عملية تجميل للأنف وتصغيره حيث تعاني السائلة من كبر في حجم أنفها، مؤكدة أنها لا تقصد من وراء العملية التجميلية إلا التجمل لزوجها، فأتاها الرد أولا: أن ذلك لا يصح شرعا، بدليل قوله تعالى: «ولأمرنهم فليغيرن خلق الله»، وهذه الآية الكريمة ليست موضع استدلال على تحريم العمليات الجراحية التجميلية، لأن تفسيرها يختلف اختلافا جذريا عن ما أتى به أستاذ الفقه الدكتور الجرعي وأفتى به السائلة، فقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية، إنما نزلت بسبب ما كان يفعله المشركون من تحريم ركوب الأنعام على أنفسهم، رغم أن الله خلقها للركوب وكذلك في خلق الشمس والقمر والنجوم، وأنها مسخرة للناس لينتفعوا بها وليس لعبادتها، وقيل إنها نزلت في خصاء الخيل والبهائم. ويقول الرازي في التفسير الكبير 6/48 أن المراد من تغيير خلق الله تغيير دين الله، وهو قول جبير والمسبب والضحاك ومجاهد والنخعي وقتادة، وقالوا إن المراد من تغير دين الله هو تبديل الحلال حراما أو الحرام حلالا. فأين موضع الاستشهاد في تحريم عمليات التجميل، بل إن الخالق سبحانه مدح فعل الإنسان عندما مكن الحصان من أن يزوى على أنثى الحمار (الاتان) فجاءت بالبغل.. فهذا التغير السببي لا نعتبره تغييرا لخلق الله؟ ونقول بحرمانيته ونجرم فاعله. بل إن الخالق لكل شيء امتدح هذا الفعل بقوله: (.. الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون). ثانيا: استشهد الدكتور الجرعي بحديث ابن مسعود لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، ورد هذا الحديث في فتح الباري 8/630 تحت باب (ما أتاكم الرسول فخذوه..). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت.. فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحتين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأته لقد وجدتيه، أما قرأت (وما آتاكم الرسول فخذوه)، قالت: بلى.. قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإنني أرى أهلك يفعلونه، قال فاذهبي فانظري، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها. وفي سياق شرح هذا الحديث من قبل ابن حجر أنها اشتشكلت اللعن، ولا يلزم من مجرد النهي لعن من يمتثل، وكذلك يحتمل أن يكون ابن مسعود قد سمع اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها أهلك يفعلونه، إن المرأة رأت ذلك حقيقة، وابن مسعود أنكر عليها ذلك فأزالته، فلهذا لما دخلت المرأة لم تر ما كانت رأته قبل ذلك وهنا قاعدة عقلية فحواها أن نص الحديث ألا يعود على أهله بالبطلان. فهل يعقل أن المرأة رأت امرأة ابن مسعود تفعله، ثم دخلت عليها مرة أخرى فوجدت أنها لم تفعله، والعقل يقول إن الشعر لينبت يحتاج إلى أسابيع، بل إلى أشهر، ويجب أن يتوافر في المتن أن لا يكون مخالفا لبديهات العقول. ثم إن احتمال أن يكون ابن مسعود قد سمع اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال ابن حجر يدلنا على أن وقائع الأحوال يتطرق إليها الاحتمال فيكسوها ثوب الإجمال ويسقط بها الاستدلال. وقوله للمرأة ما لي لا ألعن استفهامية؟ وجوز الكرماني أن تكون نافية. فمن شروط الحديث الصحيح أن لا يكون معلا والعلة هي أمر خفي غامض يقدح في صحة الحديث، ويبدو الحديث وكأنه سليم في ظاهره ومثال ذلك أن يكون الحديث موقوفا (أي من رواية الصحابي)، وتلك علة تقدم في صحة الحديث، وحديث ابن مسعود عن النامصة حديث موقوف عليه وليس بمرسل ولا مرفوع، وقال ابن الصلاح هو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها فيتوقف عليهم، ولا يتجاوز بهم إلى رسول الله. وقد تم تعريف الحديث الموقوف بأنه ما أُضيف إلى الصحابي قولا كان أو فعلا، أو تقريرا متصلا كان أو منقطعا. وحديث النامصة لم يرفع إلى رسول الله البتة، ونحن نعلم أن صيغ الرفع صيغ متفق عليها عند أهل الحديث مثل: سمعت، حدثني، قال لي أخبرني.. وابن مسعود يقول (مالي) لا ألعن وكلمة مالي تحتمل عدة معان مختلفة في اللغة، وإني استبعد أن صاحب رسول الله ابن مسعود يقول للسائلة لو كانت كذلك ما جامعتها يعني «زوجته». من المنطق لو كان حديث اللعن قد صدر عن رسول الله في حق النامصة والمتنمصة لكانت عائشة، أول من قال به فهي الأقرب لمسائل النساء، وأحوالهن وأولى من ابن مسعود في ذلك، ولكنها ترى خلاف ذلك تماما، فهي تؤكد على أنه يجوز للمرأة، أن تزيل ما في وجهها، وجسمها من شعر يقلل من جمالها في نظر زوجها، ورد ذلك في سنن البيهقي وعبد الرزاق 3/146، أن امرأة قالت يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي فقالت عائشة أميطي الأذى وتصنعي لزوجك، كما تتصنعين للزيارة، كما ورد في صحيح البخاري 10/378، عن أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة، وكانت امرأة أبي إسحاق شابة يعجبها الجمال، فقالت المرأة تحف جبينها لزوجها فقالت عائشة أميطي الأذى ما استطعت، وهذا ما قصدته السائلة وهو التزين والتجمل لزوجها. يجب أن نعلم أن تغيير خلق الله يتطلب الدوام والثبات كما ورد ذلك في القرآن الكريم، وقياسا لما أجاز الشرع تقصير أو حلق شعر الرجل ولحيته والتغيير في خلق الله يطال المرأة والرجال على حد سواء، فالتحريم والتحليل حكمان شرعيان مأخوذان من كتاب الله وسنة رسوله بنص يفيد التخصيص والتعيين، وهو مناط الحكم الشرعي إن هناك عروة وثقى بين الإسلام والجمال، فذهاب المرأة إلى جراح التجميل من أجل تجميل قوامها أو شفط أردافها أو إزالة تجاعيد الزمن من تقاطيع وجهها أو تكبير أو تصغير أو تضييق أو توسيع أعضاء من جسمها ليس فيه معنى الحرمة خاصة إذا كن ممن يصنعن ذلك لأزواجهن زيادة في تحسين صورهن وجلبا لمحبتهم طلبا لاستمرار العشرة وبقائها. ورد في صحيح البخاري (10/378) عن طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت امرأة أبي إسحاق شابة يعجبها الجمال فقالت المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت عائشة أميطي الأذى ما استطعت وتصنعي لزوجك كما تتصنعين للزيارة. وتقول لسائلة أخرى لو استطعت أن تخلعي مقلتيك وتبدليها بخير منها فافعلي إرضاء لزوجك. وتقول رضي الله عنها لو كان في وجه بنات أخي عبد الرحمن شعرا لأزلته ولو بحد الشفرة، فاتحة باب الزينة والتزين على مصرعيه يعضدها نص قرآني: (ولا يبدين زينتهن). وقد أمر الرسول المرأة بالخضاب وكان يكره أن يراها وليس بيدها آثار الخضاب، الشوكاني نيل الأوطار (6/343). إن التغير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر والشعر والحناء وصبغ الشعر ويدخل فيه ترقيق حواجب المرأة وإزالة الشعر من الوجه والذقن وخلافه، ويقول الإمام أحمد: «وللمرأة حلقه وحفه والتخفيف منه. وترى أم المؤمنين عائشة أنه يجوز للمرأة أن تزيل ما في وجهها وجسمها من شعر يقلل من جمالها في نظر زوجها. وقد قال الإمام القرافي لم أر لفقهاء الشافعية والمالكية وغيرهم من التعليل بالحرمانية إلا أنه تدليس على الزوج ليكثر الصداق ويشكل ذلك إذا كانوا عالمين به. وللحنابلة أنه يجوز الحف والتحمير والنقش والتطريز وفي حاشيته الجمل (1/418) قوله ويحرم تجعيد شعرها ونشر أسنانها وهو تحديدها وترقيقها والخضاب ونحوه والتنميص وهو الأخذ من شعر الوجه والحاجب، فإن أذن لها زوجها أو سيدها في كل ذلك جاز لها فعله، لأن له غرضا في تزينها. وقياسا فإنه يحق للمرأة الآن أن تبالغ قدر المستطاع في أن تجعل من نفسها خلقا آخر إن استطاعت تتزين لزوجها وتجد لها مكانا في سوق الجمال. يقول الحق ممتدحا الزوجان أنهما زهرة الحياة الدنيا وهل هناك أجمل من الزهرة وأكمل؟! ولعل أحد الأسباب التي تدعو المرأة إلى نكاحها هو الجمال. إن القاعدة الشرعية تنص، إذا كانت المسألة محل خلاف فلا يجبر الناس على الأخذ برأي دون الآخر، يقول ابن تيمية في الفتاوى 20/225، من كان عاجزا عن معرفة حكم الله ورسوله، وقد اتبع من أهل العلم والدين ولم يتبين له أن قول غيره أرجح من قوله فهو محمود يثاب ولا يذم على ذلك ولا يعاقب، فلماذا نصر على لعن نساء المسلمين. واللعن عقاب عظيم لجرم أعظم والنمص لا يستحق كل هذا وقد لعنت امرأة ناقة لها فسمعها الرسول عليه السلام فأبى إكمال رحلته حتى تطرد الناقة من القافلة قائلا: كيف نسافر ومعنا ناقة ملعونة. لقد أتى الدكتور الجرعي بالعجائب فاعتبر التخدير والذي هو من أكبر نعم الله على العبد في إجراء العمليات الجراحية أنه محرم وهذه مغالطة مع عدة مغالطات أخرى فاعتبر أن إجراء الرجل الطبيب لهذه العمليات ولمسه النساء غير جائز في الشرع ولا أدري على أي أساس حرمه وهو مباح شرعا للضرورة التي تبيح المحظورات وقد نسى الدكتور الجرعي أنه يجوز المسح على الجبيرة في الفقه الإسلامي وتجوز الصلاة بهذا المسح ولا يشترط الوضوء في حالة وجود جبيرة أو لفافة طبية على موضع العملية، مستخلصا في نهاية مبرراته أن هذه العمليات محرمة شرعا على الطبيب والطالب لها وهذا ليس بصحيح. إننا في زمن المقارنات وتزين المرأة لزوجها أو حتى لنفسها جائز شرعا ولنا في أقوال السيدة عائشة أسوة حسنة، ولعل نمص المرأة لحاجبها يدخل ضمن الزينة بدلا من أن تترك حواجبها تنمو حتى تصل حواف وجهها ويصبح وجهها وكأنه وجه لبوة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أفضل النساء من تسره إذا نظر إليها»، والنظر لابد أن يكون لوجه جميل ناعم ونظيف.