كانت شهية حد الالتهام. وفيرة اللحم بخدين ممتلئين يفيضان حمرةً ولذة. واثقة، معتدّة بنفسهِا إلى درجة الغرور. تراهنُ على فتنتها وجمالهِا وسطوةِ حضورِها في كلّ الأزمنةِ والأمكنةِ. مرات تتمايلُ الرؤوسُ عند سماعِها أو رؤيتها، ومرات تكونُ قادرةً على إثارةِ الاشمئزازِ والقرفِ. كانت رمزاً للتناقضات. تكذبُ لإثباتِ فحولةِ الرجالِ، وتُصدِّقها الصَّبايا الفاتنات. تمتلكُ الشجاعةَ كي تكونَ مبتهجةً بقصّةِ حبٍّ انتهت بالزّفاف، فيما هي تستعدُّ لعزاءٍ يُجَلِّلُ ميّتَه بأكاليلِ الشهادة. تغنّيها الزوجاتُ المحزوناتُ والعانساتُ النادباتُ، وتجرِي لحناً شجيّاً على ألسنةِ العشاقِ والمحبين. صدّقها الناسُ وكذّبوها، أحبّوها وكرِهوها، قالُوها وتقوّلوا عليها. تُتقن فنّ الغيابِ في المواعيدِ «الكبرى»، فحينما أصيبت المدينةُ بالجرَبِ بَحثُوا عنها في أَعطافِ التقرّحاتِ وبين حكّاتِ الهارشين ولم يعثروا على أثرٍ لها، وعندما باغَتها السيلُ لم تفكّر في تنبيه أهلِها وترَكَت لهم مطاردةَ جثثِ أحبابِهم بينَ الحسراتِ وآهاتِ الذّكريات. عصفورٌ كانَ يُغرّد حرّاً، فقطفَ العسسُ رأسَه ولم تُبدِ أيَّ ردة فعل. كلبٌ أدمنَ النُّباحَ عندَ بيتٍ مهجورٍ ولم تواسِه حتى بعظمة. حمَامُ المدينةِ الذي لا زالَ يبحثُ عن مأوى لم تهدهدهُ حتّى بأغنية. تململَ الناسُ وملّوها، ونساء المدينة كنّ قد شكونها ل«خطيبِ الجمعةِ» الذي نالَ منها في «خطبةٍ عصماء» متّهماً إياها بالتبجّح بقولِ ما لا تفعله، عدا عن إغرائهِا لثلةٍ كبيرةٍ من الغاوين والغاوياتِ، مبشّراً إياها بالويلِ والثّبورِ والعذابِ الأليم؛ فيما طفِقَ ناسُ المدينةِ ونساؤُها يتوعّدونها بعذابٍ مقيمٍ وانتقامٍ مهينٍ متى ما ضبطُوها متذرّعةً بالغيابِ، متلبّسةً بالهروب؛ لكنّهم لم يفكّروا عندما أَعجزهم إيجادُها في شوارعِ المدينةِ وأزقّتِها المظلمةِ أنها لم تبرحْ مكانَها مستقرةً في أفئدتِهم المُعتمةِ.