عندما سئل الرئيس الأمريكي السابق أوباما في مذكراته «أرض الميعاد» (A Promised Land) التي صدرت العام الماضي، عن مدى النفوذ الذي سيمارسه هو وحلفاؤه عندما يصبح بايدن رئيسا لأمريكا، أجاب «بإمكان بايدن دائما الاتصال برئيسه السابق طلبا للمشورة». ومع تقلد بايدن الحكم لم يعد أوباما يقدم المشورة فحسب، بل هو الذي يدير إدارة بايدن من الخلف وفريقه الأمني والسياسي من الأمام، حيث تتكشف يوماً بعد يوم ملامح سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تتضمن في أغلبها عناصر خدمت سابقا مع أوباما وسياسات ذاقت المنطقة مرارتها، وبدا واضحا انكفاؤها نحو النظام الإيراني كما حدث في السنوات ال8 التي حكم فيها أوباما، التي أسمن فيها النظام الإيراني وتضخمت مليشياته بالأسلحة والعتاد، وعاثت تلك المليشيات في عدد من الدول العربية فساداً وأهلكت الحرث والنسل. ويرى المحلل السياسي ديفيد جارو، الذي ألّف كتابا عن صعود أوباما، أن باراك سيكون سعيدا بالرد على أي سؤال أو طلب من قبل بايدن، لكنه يتساءل عما إذا كان بايدن سيتردد في الاعتماد على أوباما في أي شأن ذي بال «لأن الأمر سيكون بمثابة الاعتماد على أخيك الأكبر». لقد وضع فريق أوباما الذي أصبح الرافعة الأساسية للادارة الجديدة سياسة جديدة قديمة تجاه قضايا المنطقة، حيث صاغ فريق الأمن القومي والسياسة الخارجية، الذين اعتبرتهم الصحافة الأمريكية «مجموعة من خريجي إدارة أوباما، للتحول بعيدا عن سياسات إدارة سلفه ترمب التي رفعت شعار (أمريكا أولاً)، والعودة مجددا إلى المشاركة الأمريكية على النطاق العالمي»، إلا أن سياسات الحزب الديمقراطي أدارت ظهرها لحلفائها الاستراتيجيين في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، فإن أولويات الرئيس بايدن على صعيد السياسة الخارجية، أن تأخذ واشنطن دور القيادة العالمية، فيما يؤكد المراقبون أن نهج بايدن، يبدو وكأنه «نسخة متقدمة ومحدثة» لإدارة أوباما، حيث اتضح ذلك جليا من تعامل إدارة بايدن مع ملفات المنطقة الحساسة خاصة ملف اليمن، الذي أخضعه للمقاس الإيراني، وألغى تصنيف الحوثي منظمة إرهابية. ففي الوقت الذي يطالب الشارع اليمني المجتمع الدولي بتحجيم ووقف جرائم مليشيا الحوثي الإرهابية وتهديده الأمن والسلم المحلي والعالمي، ومخططاته في نسف وإعاقة جهود السلام وتمزيق اليمن، باعتباره الحل الوحيد لوقف التدخلات الإيرانية، تكافئ إدارة بايدن المعتدي وتضع الجلاد والضحية في ميزان واحد، عندما ألغت تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، رغم أنها أحد مخرجات الفكر الإرهابي الإيراني، إذ تسلب مليشيا الحوثي بقذائفها المستمرة كل يوم طفولة وأجيالا من أمام أعين آبائهم بكل وحشية وإرهاب، وحولت اليمن إلى أكبر حقل ألغام، وأزهقت آلاف الأرواح، وتعرض الآلاف لعاهات جسدية مستديمة من كل فئات الشعب اليمني. كما أجهض الحوثيون مبادرات التحالف العربي لوقف إطلاق النار، وجهود المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، بتنفيذ اتفاق ستوكهولم وخفض التصعيد، والوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، وأطلقت الصواريخ والمسيّرات الإيرانية على مناطق مدنية في المملكة، كان آخرها ما أعلنه تحالف دعم الشرعية في اليمن، أمس، عن اعتراض وتدمير طائرة دون طيار «مفخخة» أطلقتها المليشيا الحوثية باتجاه خميس مشيط، لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية. وكان تقرير نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية مؤخرا، قد أوضح أن إيران أرسلت على ما يبدو طائرات دون طيار متقدمة إلى مليشيا الحوثي في اليمن. المطلوب من العالم الصامت أن يتدخل بشكل جدي لإنقاذ الشعب اليمني من مخالب مليشيا لا تكترث بمعاناته. ويبدو جليا أن خطيئة أوباما تتكرر.