فيلفريدو باريتو عالم الاقتصاد الإيطالي (1848–1923) صاحب القاعدة الشهيرة (80-20) التي تقوم على أساس النتيجة والسبب، حيث يرى أن 80٪ من النتائج هي محصلة 20٪ من الأسباب. ويذهب باريتو بهذه القاعدة لعدة تطبيقات في الحياة، فيقول على سبيل المثال إن 80٪ من الوقت يذهب على 20٪ من متطلبات الإنسان، وإن 80٪ من أرباح التاجر تأتي من 20٪ من الزبائن، وإن 20٪ من التجار يمتلكون 80٪ من السوق، وإن 20٪ من الموظفين يقومون بإنجاز 80٪ من العمل، وإن 20٪ من السكان يملكون 80٪ من الثروة والممتلكات، وإن 20٪ من المرضى يستنزفون 80٪ من موارد الرعاية الصحية، وقد يتفق معه البعض وقد يختلف آخرون ويرون أن ما يسري على إيطاليا مكان نشأة باريتو لا يمكن بالضرورة أن يكون سارياً على كل البيئات، لكنني أتوقف عند ملاحظته حول إنجاز 20٪ من الموظفين ل80٪ من العمل، فقد تحدث لنا أستاذ جامعي في مرحلة الدراسة مطلع الثمانينيات الميلادية عن دراسة نشرت في مجلة العلوم الإدارية في عمَّان عن متوسط ساعات الإنتاج للموظف الحكومي يومياً في بعض الدول، حيث بلغت في اليابان 6 ساعات وفي ألمانيا 5 ساعات وفي أمريكا 4 ساعات، أما في العالم العربي فكانت 35 دقيقة!! ولا شك أن قاعدة باريتو تجعلنا نتساءل عن ال80٪ من الموظفين الذين وفق القاعدة سيقومون بإنجاز 20٪ وهي الحصيلة المتبقية من العمل ومقارنتها مع متوسط ساعات الإنتاج (وليس الدوام) للموظف في العالم العربي وهو 35 دقيقة حسب الدراسة السابقة، مما يشير إلى بطالة لا يكفي وصفها حتى بالمقنعة، ولعل هذا من أبرز ملامح الوظيفة العامة في الدول النامية نتيجة قيام الدولة بتوظيف المواطنين دون الحاجة لهم وبالمقابل عجزها عن استغلال طاقات مواطنيها الاستغلال الأمثل من خلال برامج تنموية ذات جدوى وصناعة التعليم وفق الحاجة والضرورة.. كما أنه لا يمكن أن تكون القاعدة بجميع تطبيقاتها متماشية حتى اليوم مع كافة النظم الاقتصادية والمتغيرات التي تعصف بالمجتمعات. الطريف في القاعدة أن 80٪ من وقت الاتصال تقضيه مع 20٪ من المسجلين في دفتر هاتفك!! ولو عاش باريتو إلى يومنا هذا وهو الذي هجر الاقتصاد لعلم الاجتماع ليتعرف على أسباب تعثر معظم نظرياته الاقتصادية، لرأى أن هذه الفقرة قد تراجعت كثيراً مع الواتس أب، فقد تضاءل الوقت وهجرنا الاتصال وحلت الكتابة مكان الكلام في واحدة من أكبر مساوئ التقنية على دفء العلاقات الاجتماعية.. ومن الغريب أن باريتو الذي كان على خلاف مع الاشتراكية والديموقراطية كان مؤيداً للفاشية حتى مات.. ولا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه رأيه لو عاش ليرى موسيليني معلقاً من قدميه بعد إعدامه ورفاقه في محطة بنزين. * كاتب سعودي