أمامك طبقٌ شهيٌ من الاسباجتي الإيطالية الممزوجة بكرات من اللحم، وعليك أن تأكل كمية محددة من الطبق شريطة أن تكون ذات قيمة غذائية فماذا تفعل؟، بالتأكيد سوف تركز على تناول كرات اللحم أولاً رغم أنها أقل عدداً وحجماً من الاسباجتي، هذا جوهر ما يخبرنا به العالم الإيطالي "فيلفريدو باريتو" في مبدئه الشهير: 80 / 20. دعونا نعود إلى أصل القصة نهاية القرن التاسع عشر، حينما لاحظ "باريتو" أن 20 % من نبتة فاصوليا في حديقة منزله قادر على إنتاج قرون بذور الفاصوليا، فأخذ يفكر بهذه النسبة ومدى انطباقها على نواحي الحياة الأخرى، فعكف على دراسة توزيع الإنتاج وملكية الأراضي في إيطاليا، فوجد أن حوالي 20 % من المصانع تنتج 80 % من إجمالي الإنتاج، و أن 20 % من السكان يمتلكون 80 % من أراضي البلاد، ليس هذا وحسب بل إن 20 % من السكان يتحكمون في 80 % من مجموع ثروات البلاد! عمم بعد ذلك "باريتو" هذا الاستنتاج في مبدأ حمل اسمه، وأضحى طريقة ناجعة لتحقيق الفعالية والإنجاز، خصوصاً بعد أن قام أستاذ إدارة الجودة "جوزيف جوران" بالدعوة لاستخدام المبدأ ضمن أساليب تحسين الجودة، ذلك أن القليل غالباً ما يكون هو الأهم، بينما الأغلب قليل الأهمية والتأثير. ببساطة يشير هذا المبدأ إلى أن 20 % من الأسباب هي مسؤولة عن 80 % من النتائج، أي أن أغلب النتائج تأتي من أسباب محدودة، لذا يصبح من الذكاء التركيز على أهم عشرين سبباً لتحقيق أعلى النتائج، وعدم إضاعة الوقت والجهد والتكلفة فيما دون ذلك من أسباب هامشية وغير مؤثرة. ولتأكيد ذلك بعد مئة عام على نشر "باريتو" ورقته العلمية، طبق الكاتب ورائد الأعمال "ريتشارد جون كوخ" المبدأ على مجالات متعددة في الحياة، ونشرها في العام 1997 في كتابه "مبدأ 80 / 20"، ومنها: أن 80 % من الأرباح تأتي من 20 % من المنتجات، وأن 80 % من الإيرادات تأتي من 20 % من العملاء، و20 % من الملابس ترتدى بينما تقبع 80 % في خزانة الملابس، وأن 20 % من سكان العالم يتحكمون في 80 % من موارد الكوكب، وهكذا دواليك. بالتأكيد القاعدة ليست دقيقة تماماً، ولكنها وصف تقريبي لما يمكن ملاحظته من واقع الحياة، بل حتى في الواقع الافتراضي في منصات التواصل الاجتماعي، حيث نجد أن 80 % من التفاعل يأتي من أقل من 20 % من المتابعين! لذا يرى الكثيرون أنها قاعدة ذهبية، وسهلة لتحقيق الفاعلية وتذوق لذة الإنجاز. الالتزام بمبدأ "باريتو" قد يكون طوق النجاه لمن يتشكي دوماً من ضياع وقته دون إنجاز رغم أنه يقوم بالكثير من المهام، لكن شريطة أن يعرف هدفه الأهم والعوامل المؤثره عليه، وأن يركز العمل عليها بذكاء وجدّ، حتماً سوف يلمس نتائج أكثر مما يتمنى. Your browser does not support the video tag.