الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، ومن الشعراء: طرفة بن العبد وقيل عمرو وقيل أيضاً عُبيد بن العبد بن سفيان من بني بكر بن وائل، من شعراء المعلقات، أمه وردة بنت عبدالمسيح أخت الخرنق بن بدر من أمه، وهي وأبوه من نسبٍ شريف وبيت عز، خاله المتلمّس الضبعيّ وعمّاه المرقّشان الأكبر والأصغر. ولد قرابة عام 543 للميلاد، وعاش في كنف أمه بعد وفاة أبيه وجحود أعمامه له وأكل ماله، وهو بعد حدث،بعد ذلك جفاه ذووه بسبب مجونه وشربه الخمر، وهو صاحب البيت الشهير: وظلم ذوي القربي أشد مضاضةً على العبد من ضرب الحسام المهندِ وصاحب المقولة الشهيرة: استنوَقَ الجَمَل! ذهب هائماً على وجهه وهو يافعٌ وشاعرٌ لا يشق له غبار، واتصل ببلاط الملك عمرو بن المنذر (عمرو بن هند) فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى (المكعبر) عامله على البحرين وعُمان يأمره فيه بقتله، بسبب أبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها، فقتله المكعبر شاباً دون الثلاثين من عمره سنة 569 للميلاد. يقول: لِهِندٍ بِحِزّانِ الشَريفِ طُلولُ تَلوحُ وَأَدنى عَهدِهِنَّ مُحيلُ وَبِالسَفحِ آياتٌ كَأَنَّ رُسومَها يَمانُ وَشَتهُ رَيدَةٌ وَسَحولُ أَرَبَّت بِها نَآجَةٌ تَزدَهي الحَصى وَأَسحَمُ وَكّافُ العَشِيِّ هَطولُ فَغَيَّرنَ آياتِ الدِيارِ مَعَ البِلى وَلَيسَ عَلى رَيبِ الزَمانِ كَفيلُ بِما قَد أَرى الحَيَّ الجَميعَ بِغِبطَةٍ إِذا الحَيُّ حَيٌّ وَالحُلولُ حُلولُ أَلا أَبلِغا عَبدَ الضَلالِ رِسالَةً وَقَد يُبلِغُ الأَنباءَ عَنكَ رَسولُ دَبَبتَ بِسِرّي بَعدَما قَد عَلِمتَهُ وَأَنتَ بِأَسرارِ الكِرامِ نَسولُ وَكَيفَ تَضِلُّ القَصدَ وَالحَقُّ واضِحٌ وَلِلحَقِّ بَينَ الصالِحينَ سَبيلُ وَفَرَّقَ عَن بَيتَيكَ سَعدَ بنَ مالِكٍ وَعَوفاً وَعَمراً ما تَشي وَتَقولُ فَأَنتَ عَلى الأَدنى شَمالٌ عَرِيَّةٌ شَآمِيَّةٌ تَزوي الوُجوهَ بَليلُ وَأَنتَ عَلى الأَقصى صَباً غَيرُ قَرَّةٍ تَذاءَبَ مِنها مُرزِغٌ وَمُسيلُ وَأَنتَ اِمرُؤٌ مِنّا وَلَستَ بِخَيرِنا جَواداً عَلى الأَقصى وَأَنتَ بَخيلُ فَأَصبَحتَ فَقعاً نابِتاً بِقَرارَةٍ تَصَوَّحُ عَنهُ وَالذَليلُ ذَليلُ وَأَعلَمُ عِلماً لَيسَ بِالظَنِّ أَنَّهُ إِذا ذَلَّ مَولى المَرءِ فَهوَ ذَليلُ وَإِنَّ لِسانَ المَرءِ ما لَم تَكُن لَهُ حَصاةٌ عَلى عَوراتِهِ لَدَليلُ وَإِنَّ اِمرَأً لَم يَعفُ يَوماً فُكاهَةً لِمَن لَم يُرِد سوءً بِها لَجَهولُ تَعارَفُ أَرواحُ الرِجالِ إِذا اِلتَقَوا فَمِنهُم عَدُوٌّ يُتَّقى وَخَليلُ