غزا التطور التقني كثيراً من مجالات عمل الإنسان، واستبدلها بالآلة، لأسباب عدة؛ أهمها الدقة المتناهية، وسرعة الإنجاز، وخفض التكاليف، والقدرة على الاستمرار في عالم سِمَته الرئيسية المنافسة، حينما حدثني صديقي بدر -طيار بإحدى الشركات التجارية- عن تهديد الطيار الآلي لوظيفته، كنتُ أراه مبالغاً، وأن ذلك مستحيل، لكنّه بات وشيكاً. قد يغزو الرجل الآلي وظائف العمال، فهل سيغزو وظائف الإدارة أيضا! لا بد من حضور العنصر البشري في المنظمات الآدمية؛ بسبب الحاجة الدائمة للجانب الإنساني. إذ لا يمكن للآلة -على الأقل الجيل الحالي منها- أن تقوم بعمليات مثل إدارة المواهب، والتي يتم التركيز عليها في الشركات الناجحة. كذلك فالحاجة الملحة للتدخل البشري لتقييم أمور مثل الحالة الصحية أو النفسية للموظف، أو تقييم ظروف العمل ومخاطره. من جهة أخرى، فالآلة ستكون عادلة في أمور كثيرة مع الموظف، أكثر من الرئيس البشري. إذ سيتم تقييم أدائه بعيداً عن الأحاسيس، ولن تتم شخصنة المواقف بسبب عدم التوافق الفكري معه. ستقوم بتقييم أداء الموظف فقط بعيداً عن عواصف العواطف، وزوابع المزاج. رأسني شخص يجيد التعامل مع البشر، فكنت أظل في مكتبي لساعات الليل المتأخرة، أو أعمل من منزلي بدون مقابل. استطاع ذلك الإنسان أن يُحول صبري لصبر آلة. ثم رأسني من يشبه الآلة، ولا يجيد التعامل مع البشر البتة. فتعامل معي كآلة، فأصبحتُ أتثاقل الذهاب للعمل، ولا أود أن أقضي دقيقة واحدة بعد انتهاء وقته. نجح في قتل الإبداع بإبداع، كما قتل جانب الإنسان في تعامله، فلقد أراد أن يرأس آلة. بالنسبة لي فمستعد جيداً لليوم الذي ترأسني فيه آلة؛ فخلال سنوات عملي رأسني من هو أسوأ من الآلة من ناحية الجانب الإنساني، وأسوأ من أن يتم وصفه بإنسان من ناحية عدم إيلاء جانب التطوير للموظف ما يتم من صيانة للآلات. ماذا عنك؛ هل أنت مستعد لأن ترأسك آلة، أو ما هو أسوأ من آلة؟