بداية نطرح فرضية مسلّماً بها لدى جميع الناس هي أن علماء الكمبيوتر- من حين لآخر- ينجحون في تطوير آلات ذكية يمكن أن تفعل كل شيء، أفضل بكثير مما يقوم به البشر. وفي هذه الحالة، يُفترض أن تقام جميع الأعمال من قبل الأجهزة بدرجة عالية من التنظيم وكمية واسعة من الآلات، ولن يكون وجود للجهد البشري حينئذ. وما قد يحدث يصب في حالتين: قد يُسمح للآلات باتخاذ كل القرارات الخاصة بها دون إشراف الإنسان أو احتفاظ الإنسان بالتحكم بها. وفي حال جعل التفويض المطلق لهذه الآلات باتخاذ القرارات بنفسها، فإنه لايمكن التنبؤ الدقيق بالنتائج، نشير فقط إلى أن مصير الجنس البشري سيكون تحت رحمة تلك الأجهزة. لكن يمكن القول إن الجنس البشري لن يكون بهذه الدرجة من الغباء لتسليم السلطة لجميع الأجهزة الصماء. وبالاستقراء، فإن الإنسان ليس من شأنه أن يحول السلطة للآلات طواعية، ولا أن الآلات ستستولي على السلطة عنوة. مايخشاه العقلاء هو أن يبالغ الجنس البشري في السماح لنفسه بالانجراف التدريجي نحو الاعتمادية البحتة على الآلة «العزيزة» دون خيار عملي، ليصل به الأمر إلى تسليم كلي لكل قرارات الماكينة. المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع أصبحت أكثر تعقيداً. وفي المقابل فإن الآلة أصبحت أكثر براعة، ومن ثم سيسمح المجتمع للآلات باتخاذ مزيد من القرارات نيابة عنه وذلك – ببساطة – كون قرارات الآلة تحقق نتائج أفضل من تلك التي من صنع الإنسان. في نهاية المطاف قد يتم الوصول لمرحلة تكون القرارات البشرية فيها حتمية للحفاظ على نظام التشغيل، لكن هل ستكون هذه المرحلة سهلة بحيث يتمكن البشر من مجاراة ذكاء الآلة بدرجة كافية، لأنه في تلك المرحلة ستكون الأجهزة في حالة من السيطرة الفعلية. وبلا شك، فإن الناس لن يكونوا قادرين على إطفاء الآلة بتلك البساطة، لأن كوكب الأرض سيكون معتمداً اعتماداً تاماً عليها، حيث إن إطفاءها سيكون انتحاراً. من ناحية أخرى فإنه من الممكن احتفاظ الإنسان بالسيطرة على آلاته الخاصة كالسيارة والحاسب لكن السيطرة على أنظمة كثير من الآلات ستكون بيد نخبة محدودة، كما الآن، وتبرز مخاوف كبيرة جداً منها أن العمل البشري لن يكون ضرورياً، وبالتالي سيكون الإنسان زائداً عن الحاجة وعبئاً لا طائل منه على النظام. وهذا – بالتأكيد – ما يفزع المهتمين بشؤون البطالة وحقوق الإنسان الحقيقية. وإذا كانت النخبة لاترحم فستمارس حينها إبادة جماعية للإنسانية.