بين طقس حار جدا وماء شحيح جدا، وفضاء مغبر، تقذف مُدنُنا وشوارعنا وأحياؤنا حمماً من الأسئلة على سفوح وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات المناطق وعلى هضاب وزارة الزراعة والمياه والبيئة وغيرها من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية حول كمية ونوعية تشجير الشوارع والأحياء والمرافق العامة والمساجد وساحات المدن ومداخلها. الناس يجتهدون بعشوائية وفي حدود معرفتهم وحاجاتهم بتشجير نطاقات بيوتهم وأرصفة منازلهم، وحدائق بيوتهم، دون مساعدة أو مشورة تذكر من المؤسسات الرسمية المعنية بالأمر. فيزرعون النخيل تارةً وأشجار الظل وأشجار الزينة تارةً أخرى. جهود البلديات تنصبّ في الغالب على النخيل وبعض الأشجار والنباتات والورود والثيل. لكنها وهي جهود متواضعة كمّا ونوعا مبعثرة وعشوائية ولا تحكمها رؤية واضحة وإستراتيجية شاملة وليس لها مرجعية علمية وفنية. وتنحصر هذه الجهود في الغالب الأعم على بعض الشوارع الرئيسة والميادين دون سواها، وهي إذا وجدت في منطقة أو مدينة معينة قد لا توجد في منطقة أو مدينة أخرى بنفس الاهتمام وبذات الكم. أعرف قيمة النخيل وأقدّر رمزيّتها الثقافية وقيمتها الغذائية والزراعية، لكن هناك مبالغة وابتذالا وهدرا بزراعة النخيل في الشوارع الرئيسة وشبه الرئيسة. خاصة إذا عرفنا أن النخلة شجرة تستهلك كميات هائلة من المياه، فضلا عن أنها ليست من أشجار الظل وتحتاج إلى صيانة، كل هذا في كفة، وفي الكفة الأخرى هناك هدر لمحصول التمر الذي تنتجه النخيل في الشوارع، والذي إما أن يترك سائبا دون قطاف أو أن يقطف قبل موعد نضجه فلا يستفاد منه فيذهب هدرا. يبدو لي أن الهدف من زراعة النخيل في الشوارع هو هدف الرمزية الثقافية، وفي هذه الحالة أقترح أن يكتفى بزراعة النخلة في الميادين ومداخل المدينة، وعند الأماكن التاريخية والمعالم الحضارية والحيوية فقط بدلا من زراعة عشرات الآلاف في وسط الشوارع، ما عدا ما يزرع في الملكيات الخاصة فهذا شأن آخر. قرأتُ أن أمين منطقة تبوك منذ يومين أصدر تعميما إلى البلديات التابعة للأمانة بوقف تقزيم الأشجار، بعد جولة قام بها هناك، هذا توجه جيد، لكن ماذا عن بقية الأمانات والبلديات؟ وماذا عن بقية المشكلات التي تواجه أساليب التشجير واختيار نوعية الأشجار التي تنسجم مع درجة الحرارة ودرجة البرودة ولا تستهلك الكثير من الماء ولا تتساقط أوراقها بسهولة؟ وماذا عن نوعية الأشجار التي لا تنمو بارتفاعات كافية لتخفف درجة الحرارة وتحسين الأجواء وتقطنها الطيور وماذا عن الأشجار التي يكون لها ظل تستظل به سيارات أمام المنازل؟ وماذا عن الأشجار التي تزهر ألوانا تشرح النفوس؟ وماذا عن الفراغات في ساحات المساجد والحدائق العامة والميادين؟ وماذا عن استغلال مياه مغاسل الوضوء في المساجد للزراعة والتشجير؟ وماذا عن الأشجار التي تتسبب بالأمراض المزمنة والربو والحساسية؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات تكشف عن عدم وجود رؤية واضحة لدى المؤسسات المعنية وعدم وجود إستراتيجية شاملة ومدروسة. أريد أن أسجل شكري وتقديري البالغ لأصحاب الحسابات المهتمين بالزراعة والتشجير في وسائل التواصل الاجتماعي حيث إن بعضهم متخصصون وبعضهم ذوو خبرة في الزراعة والتشجير، فقد أسهموا في رفع وعي الناس بأهمية التشجير والزراعة في بيئتنا الصحراوية بل إن بعضهم أسهم في الضغط على المؤسسات المعنية ودفعوا بهم إلى دائرة الفعل. انتهى زمن عشوائية تشجير المدن والأحياء والشوارع والساحات، مطلوب وضع كود لتشجير المدن والشوارع حسب أحجامها ومواقعها وأرصفة المنازل والميادين والساحات والحدائق والمساجد ومواقف السيارات بمواصفات تراعي قسوة الطقس حرارةً وبرودةً وتراعي شح المياه وتراعي المظهر العام لكل حي من أحياء كل مدينة وتحترم حق الناس بخدمة تليق بما يقوم به الكثيرون من السكان في مختلف مناطق المملكة سواء أمام بيوتهم أو تطوعا في أماكن عامة. إذا تم وضع هذا الكود، مطلوب من المؤسسات المعنية تأمين الأشجار المطابقة لهذا الكود. ولكي يتم تفعيل كود التشجير المقترح، لا بد من إيجاد مختبرات مشتركة بين وزارة الشؤون البلدية والقروية مع وزارة الزراعة والمياه والبيئة لإنتاج البذور واستزراع الأشجار والنباتات والورود المطابقة لهذا الكود والمواصفات البيئية والموارد المائية والطقس والمظهر العام لكل حي من أحياء كل مدينة ومراقبة المشاتل في تصنيف الأشجار وضمان خلوها من الآفات والأوبئة والأمراض ومطابقتها للمواصفات. إن الفكرة شجرة، وإن التفكير زراعة، ومن لم يخض تجربة الزراعة ولم يزرع في حياته شجرة، لم يفهم الحياة، ولو خالط الناس جميعا. * كاتب سعودي