قطعة جرادة كلما زرت قريتي.. أخصص الوقت الكافي للمرور على (جرادة).. مزرعة جدتي الأثيرة على نفسها، وأسند ظهري إلى حصن الحروص.. المزرعة أمامي.. بالكاد تتسع لملعب كرة طائرة صغير، يحدها جبل الدار من الشرق، بخلجانه التي تشبه الشرايين، وهي تنساب من قمة الجبل إلى المزارع المجاورة.. كلما زرتها أضحك من أمنية جدتي، التي شاهدت البحر لأول مرة في حياتها ثم سألت: كل هذا ماء؟! ولم تصدق، إلا عندما شاهدت الناس تسبح فيه. جدتي التي وضعت فنجان القهوة جانبا، واستقبلت القبلة طالبة من الله أن يكون البحر بجوار قطعة (جرادة) في أعالي جبال السراة. جدتي التي لم تعجبها سرعة بديهة ولدي عندما قال: «إلا ليت قطعة جرادة تكون بجوار البحر هنا». تأففت من كلامه، وراحت تمسح قطرات العرق عن جبينها، وهي تردد: «الله يسقي ديارنا بالمطر..». وأردفت قائلة: «ما نبغى بحركم، خلوه لكم، المطر يكفينا..» جدتي التي راحت ترشوني بشعر مهلهل مادحة منزلي: (كنه البيت الأبيض والحوش ما كنه إلا مطار الحوية). قلت لها: بيتي صغير (قدّ) قطعة جرادة، ولكن هل تعرفين مطار الحوية؟ لم تجبني على سؤالي، وراحت تطارد بعوضة اقتربت من شالها الأسود.. *** خروج قسري كانت ستحضر زواج حبيبها بتلك الثياب.. غير أنّ الفقيه حضر بالبخور والتمتمات والهمهمات؛ ليخرج شيئا من جسدها. كان الجني قادما من جبل لبنان متجها إلى عدن، وكانت تغسل ملابسها الرثة بماء العين، وتبكي بحرقة.. بدأت حفلة التداوي بلسعات خفيفة من خيزرانة الفقيه، مع عقد خيوط في أصابع قدميها: - سوف أحرقك إن لم تخرج، لماذا تلبستها؟ - رحمة بها سيدي، كانت (عم) تبكي بحرقة، وتهدم القصور التي بنتها في خيالها.. المفترض أنها العروس، لكنها تحولت بقدرة قادر إلى (معزومة من ضمن المعازيم..)، ستموت إذا سمعتْ الزغاريد وضرب الدفوف.. صحيح أني داخل أسوار جسدها، لكنها حرة تماما: تضحك، وترقص، وتغني.. - اخرج عساها ما ضحكت، ولا رقصت، ولا غنت.. انتفضت ساقها اليسرى قليلا، ثم استيقظتْ على صوت طاسة سقطت بمائِها من النافذة. - بسم الله الرحمن الرحيم، وش جابني هنا؟! - لا بأس.. كنتِ في حالة إغماء.. * قاص سعودي