سجلت قضايا السب والشتم والألفاظ النابية والعبارات العنصرية تزايدا في مجمل القضايا التي تلقتها النيابة العامة والمحكمة الجزائية وبلغت 20% من حجم القضايا الواردة من دوائر العرض والأخلاق وفق تقديرات مختصين، ما تسبب في إرباك المحاكم بقضايا أقل أهمية من القضايا المنظورة لسجناء وموقوفين وقضايا جنائية كبيرة. وطالب قضاة ومحامون وحقوقيون بإصدار نصوص نظامية لتجريم الألفاظ العنصرية والنابية وتصنيفها ووضع تعريفات لها؛ إذ تعج المحاكم بقضايا أقل ما يقال عنها إنها بسيطة و«تافهة» يلجأ فيها أصحابها إلى جر أصدقاء أو أقارب إلى أروقة المحاكم دون سبب وجيه. السكران والذبابة واطلعت «عكاظ» على نماذج حية من هذه القضايا المنظورة، آخرها وصف وافدين لموظفة ب«الذبابة» وانتهت بإدانتهما بحكم نهائي وجلدهما 140 سوطا. وفي أخرى مثل مسؤول شبه أحد موظفيه ب«السكران» أمام المحكمة بعدما طالب المدعي بمقاضاة مديره، مطالبا بحقه الشرعي، مستعينا بشاهدين. ومن القضايا أيضا تلك التي قال فيها إمام مسجد للمؤذن «تخسى.. مانت بكفو». ومن الدعاوى التي تلقتها المحكمة دعوى مواطن ضد آخر قال له «يا أسود»، وهي العبارة التي اعتبرها مهينة وعنصرية، وأخرى أشار فيها المتهم إلى خصمه بأصبعه الوسطى، معتبرا ذلك حركة غير لائقة تستوجب المحاكمة، ومن القضايا الغريبة تقديم مواطن بلاغا ضد جار بسبب النزاع حول مواقف السيارات. ونظرت إحدى المحاكم شكوى متقاعدة ضد جارتها التي سبتها، موجهة لها عبارة «لعنة الله عليكي». وللفصل في مثل هذه القضايا تنعقد جلسات قضائية لإصدار الأحكام وترفع إلى الاستئناف وتعاد ثانية، ما يشكل عبئا على الأجهزة القضائية والمرافق العدلية، إذ يمتنع بعض القضاة إصدار أحكام في قضايا مشابهة تصنف بأنها تافهة. مرمطة الخصوم واطلعت «عكاظ» على نموذج لقضية ظلت عشرة أشهر في المداولة قبل أن يصرف القاضي عنها النظر، واصفا الدعوى بأنها تافهة تشغل المحاكم وتزيد من أعبائها دون جدوى، وطبقا للمعلومات فإن القضية المصروفة تمثلت في أن مواطنا طالب بمعاقبة مقيم أمسكه من قميصه! ويعلق على ذلك القاضي السابق في محكمتي جدة ومكة تركي القرني، بأن المحاكم الجزائية باتت تعج بقضايا أقل ما توصف بأنها بسيطة و«تافهة»، يلجأ خلالها أصحابها إلى جر أصدقاء أو أقارب إلى أروقة المحاكم دون سبب بغرض «مرمطتهم». ويرى المستشار القانوني خالد أبو راشد أن قضايا السب والشتم في مقدمة القضايا التي تقود أصحابها إلى المحاكم؛ اذ إن 30% من القضايا التعزيرية تتعلق بالسب والشتم والتهكم والتلفظ والمشادات الكلامية، خصوصا عبر مواقع التواصل ولم تعد مثل هذه القضايا نادرة أو غريبة، وهو ما يدعو للأسف. تجريم التلميحات عضو النيابة العامة سابقا والمحامي صالح الغامدي يقول إنه عادة ما يلجأ البعض لإقامة دعاوى في الحق الخاص، وهي لا تستحق نتيجة غياب إطار قانوني يحدد القضايا التي يمكن رفعها من عدمها، ولفت إلى أن هذا النوع من الشكاوى تضيع الكثير من الوقت والجهد، ويسعى أصحابها لإشغال الخصم أمام المحاكم والنيابة. أما المحامية نسرين الغامدي عضو لجنة تراحم، فقد أوصت بإصدار تنظيم لتجريم الألفاظ والإشارات والكلمات التي تنطوي على تحقير الآخرين أو الانتقاص من شأنهم أو معايرتهم بصفة أو نسب أو عرق أو لون أو أصل أو مذهب. وأضافت أن التعزيرات الشرعية تستوعب العقوبات على مثل هذه الأفعال أو الأقوال، إلا أن من الأفضل وضعها في إطار تنظيمي ليكون الجميع على بينة من أمرهم في ما يتعلق بالعبارات والألفاظ التي قد تقود صاحبها إلى العقاب. ومن جانبه، رأى المحامي محمد المالكي أن المحكمة الجزائية تختص بالنظر في قضايا السب. مبينا أن في هذه القضايا حقين، عاما وخاصا، ويقدم الحق الخاص على العام. وعن الإجراءات قال إن الدعوى تقام من المدعي بالحق الخاص ضد المدعى عليه، ويطالب بإقامة حد القذف أو التعزير لقاء سبه أو شتمه ويطلب جواب المدعى عليه كسائر القضايا الجنائية.