لا أدري ما هي الحالة التي تقتحم بها القصيدة روح الشاعر الحميدي الثقفي، إلا أني أعرف أنه لا يستقبل نصاً جديداً إلا وهو في شفافية غيم الوسمية التي تفتح الأرض له ذراعيها إيذاناً بموسم الخصوبة، إنه القروي الذي دخل المدينة سهواً كما يدخل الطفل مدرسة لأول يوم، وغدا أنجب التلاميذ، إذ لم تعش عيناه أضواء الشهرة الزائفة، في طريقه إلى مدينته، أو مدينة شعره، تتحرر المسافة بينه وبين الأشياء، ليرصدها كما يرصد الفلاح بروج الزرع والحصاد، وينتقي من فاكهة شتائه أنقى شمس: يا رب هذا الطريق أفعى تفح وعتمة أعشاب ظُلمه وطين وبلل وعظام ناس أموات حيّه الليل غابهْ ونبض أنفاس صدري فاس حطّاب تستنبت النار فاكهة الشتا شمس أبجديّه حروف أبجديته مستنبتةٌ من عيون الماء، وسنابل القمح، وحنّون اللوز، وعناقيد العنب، وبيوت الحجر، وصوت مؤذن القرية المحتسب قلت القرى واجهشت لك في البلاد رعوش الاعناب والمشمش المسقوي واغصان لوزه عثريّه ابسألك عن ملامح وجه طفلٍ في القرى غاب غيّبت والا القرى يا طفل غابت فيك هيّه والما تقول بكظايمها زبرجد في المدى راب والعشب مجدول بخيوط الصباحات النديّه ابسألك صاحبي غمّض عليها جفن واهداب ياما لصبح القرى من وشوشات الما هنيّه الحميدي شاعر لا يضخم الأشياء الصغيرة، لكنه يحط من قدر التضخم المزعوم ما دام الطفل الذي غاب في القرية ينازعه يومياته، ويقض مضجعه، في ظل ما تتعرض له إنسانية الإنسان في المدينة، ليتحول الشاعر إلى مناضل يحاول التصدي للقبح لكي لا يفقد الحالم شهيّة العشق، ولكي لا تذوب الطهارة في سخونة أحضان الحضارة. يا موت وبيوت حارتنا علب سردين وتراب ترى التعدّي لغير اوّل قرابينك زريّه الريح تصفر وينعق طير بوم وتنبح كلاب ويضج صمت المدينة كلنا نذر المنيّه هذا الحذر والتوجّس في الملامح ماله اسباب هذا الترقب وهذا الريب والخوف المعيّه ابسألك صاحبي واقسى كما يقسون الاحباب وجهك هو القاتل المقتول من فيك الضحيّه؟ تنشطر ذات الشاعر وتتحاور، جزء يطل من نافذة ليكحّل عينيه بما بقي من صباحات القرى، والآخر منهمك في متابعة التقنية النابضة بالاستهلاكي من الأخبار، ومثل مخلوق مسلوب الإرادة والجذور وساحات الطفولة، يتذكر أحبابه في أقاصي الأقاصي فيرفع يده ليستفز الفراغ بتلويحة الكف المتعبة. عمرك مجرّد زمن تافه غبي جوف الزمن ذاب من منبع الليل إلى صبح المصبّات القصيّه للجوع مخلاب من قال ان ما للجوع مخلاب لا في الثرى ضاجعتك ولا أرضعتك الرازقيّه يا حكمة الطيش ليش نخلد الاسما والالقاب ما يمكن اسم الورود اشواك واسم الشمس فيّه عرفتني كنت انا صاحبك واصحابك لي اصحاب امدّ لمصافحك يدّي تصافحني يديه