بعد كل ضربة حالمة على كيبورد تأتي جُمل الخيال: لم ننطلق بعد.. لا يزال القمح غارقاً في السنبلة؛ ينتظر وجهها وأناملها ومنديلها الأصفر، وما تضخه من عطر تهامي يلون ريش العصافير، ويستمطر من شفتيها أناشيد العفاف. أخفف ملوحة الأيام برائحة القرى الراوية بالعشب؛ أحاول أن أتصفح أزمنة الألفة كي ينهض الحلم والكبرياء، وحينما أشم المطر والحقول تتسلقني ذكريات الدفء، ويورق في قلبي الحنين إلى تفاصيلها الأعمق.. لقد كانت هنا فكان الرضا والرخاء، وكانت ديمومة البوح والفرح. ستبقى شاحباً مهما تجملت ما لم تعبر مراياك امرأة سعيدة، وسيبقى ذكرك خاملاً مهما فعلت ما لم تنتصر بقصيدة بيضاء لامرأة أنهكها الجوع ولفظتها الدنيا.. كل الرجال بلا مكان ولا مأوى ولا راحلة تقطع العمر والمسافات؛ وحدها المرأة هي الاستواء الأكبر على قمة الدنيا. أضاجع الزمن المتصحر من حولي، وأمسح بعيني بقايا جذوع الشجر القاسي الذي لن يعود مهما بكيت، ومهما استمطرت من أجله وأجلها الكلمات؛ أتذكر أننا جلسنا تحت هذه الشجرة، وضحكنا حول تلك، وشربنا فاكهة الرسالة الأولى هنا.. كنا وحدنا بين الناس ولا أحد، والآن كل الناس هنا ولا أحد.. أبداً لا أحد. في المجتمعات التي لا تفقه الحياة يعتبر العمل هو متنفس المرأة الوحيد الذي تشعر فيه بذاتها؛ لكنها لا تلبث أن تكتشف أن هذه لعبة للتخلص منها أو بالأحرى لإشغالها عما فشل المعنيون في إشغالها به.. لعبة متفق عليها بين الطرفين والضحية دائماً هي امرأة؛ في كل عصر ضحيتنا امرأة. يقولون إن الرجال أطفال كبار في حضرة المرأة، وهذا صحيح لأن كل امرأة تعيسة في حياتها تعاني من شقاوة طفل أو بالأحرى رجل لا يكبر بسهولة، وكلنا ذاك الرجل الذي يرفض أن يكبر، وما أحلى الطفولة بجوار امرأة مشفقة. لا تنكر أنك قطعت نصف المشوار إلى عينيها، وأن روحها أبداً نهاية المشوار؛ لكن قمة النجاح أن تحتفظ بتلك العينين فلا تنظران إلا إليك، ولا يملأهما إلا حنانك واحتواؤك.. كن رجلاً حراً يعطي إخلاصه لامرأة واحدة، وستغنيه عن الدنيا وما فيها.