دأب ملوك الدولة السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، في بث رسائل واضحة وتطمينية للمواطن، بمستقبل اقتصادي أكثر شفافية وأكثر وضوحا. وظلت هذه الرسائل وتلك الكلمات التي تأتي من القيادة السعودية، تشكل بما لا يدع مجالا للشك دعما كبيرا وأرضا صلبة، تنطلق منها العديد من الدلالات والمعاني، في الطريق نحو العمل لوطن مستقر سياسياً واقتصادياً وعدلياً. ومنذ أعوام التوحيد الأولى للبلاد شكلت الحرب على الفساد دفعة إلى الأمام، ولم يكن أحد بمنأى من المحاسبة، فالكل أصبح علانية تحت طائلة القانون، مما يزيد الرقابة على المشروعات، وعلى الأموال العامة. وأعلن جميع ملوك الدولة السعودية صراحة وبكل شفافية أن الدولة بكافة قطاعاتها المختلفة تنتظر من المواطن أن ينقل لها كل مواطئ القصور التي يلحظها، سعياً لدعم مسيرة التنمية. ولم تغفل كلماتهم وخطاباتهم، التركيز على بناء الدولة، لافتين إلى أن العنصر الأساس في كل أنواع التنمية، هو المواطن السعودي، إذ شددوا على أن الجميع سواسية في هذا الوطن وأمام القضاء، مؤكدين أحقيتهم في مقاضاة كائن من كان. الملك المؤسس: صندوق للشكايات مفتاحه معي لم يتوان الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- في تلقي شكاوى مواطنيه، إذ سبق وأن قال في بيان صادر عن ديوانه «لا أريد أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم أو استخلاص حق مهضوم»، مهيبا «كل من كانت له مظلمة على كائن من كان، موظفا أو غيره، كبيراً أو صغيراً، ثم يخفي مظلمته، فإنما إثمه على نفسه، وأن من كانت، له شكاية فقد وضع على باب دار الحكومة صندوق للشكايات، مفتاحه لدى جلالة الملك، فليضع شكواه فيها، وليثق أنه لن يلحق المشتكي أي أذى، وليعلم الناس أن باب العدل مفتوح للجميع على السواء والناس كلهم كبيرهم وصغيرهم أمامه واحد، حتى يبلغ الحق مستقره». الملك سعود: اعدلوا وأنصفوا وجه الملك سعود بن عبدالعزيز في خطابه بتاريخ 30 محرم عام 1375ه أمراء المناطق والمسؤولين في الحكومة، بمراقبة الله وتقواه فيهم، قائلا «أنصحكم وأحملكم المسؤولية أمام الله يوم تلقونه حفاة عراة لا ينجيكم إلا أعمالكم الصالحة، وأن تعدلوا بين الناس وتنصفوهم من أنفسكم قبل كل شيء، وأن تتواضعوا للمسلمين، وتحسنوا أخلاقكم، وأن تراعوا مصالحهم الدينية، وأن تتفقدوا أحوالهم، فالشيء الذي يمكنكم عمله من التخفيف عنهم اعملوه، والأمر الذي يصعب عليكم ارفعوه إلينا». الملك فيصل: كونوا معي ضد المفسدين خلال زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز لمحافظة الأحساء في جولة تفقدية على المناطق، وجه في خطابه للشعب للسعودي كلمة شهيرة قال فيها «نعمل على الإصلاح العام في كل مجال، ولكم علي أن أراقب الله في ما أعمل، والإخلاص في خدمتي لكم، ولكم علي أن أعدل بين صغيركم وكبيركم، وأن أطرفكم عندي مساو لأقربكم إلي في الحق، وأن أعدل في معاملتي بين أهلي وأسرتي، وأرجو منكم أن تكونوا عونا لي في تحمل المسؤولية، وأن تعينوا الحكومة في عملها بإخلاصكم وأمانتكم، وأن تكونوا مع المصلح في إصلاحه، وأن تكونوا ضد المفسد في إفساده». الملك خالد: لا مانع لدينا من بتر المفسد قال الملك خالد بن عبدالعزيز في حديث صحفي مع صحيفة السياسة الكويتية، «إن انتقاد أي مسؤول في المملكة لأية مشروعات أو خطط لا يعني أبداً أن هناك فساداً إدارياً أو غيره، إن هذا هو النقد الذاتي الذي نمارسه، وتمارسه كل قيادة واعية ومسؤولة»، مضيفاً «إذا ثبت لنا أن هناك من يتعمد الإفساد فإننا نحاسبه على الفور، ولا مانع لدينا من بتره، بل هذا هو واجبنا». الملك فهد: تعديل الأنظمة الإدارية لرفع الكفاءة في أول خطاب وجهه للمواطنين بعد توليه مقاليد الحكم، قال الملك فهد بن عبدالعزيز «تنصرف عنايتنا إلى رفع الكفاءة الإدارية لدى موظفي الدولة، وتعديل الأنظمة المالية والإدارية لتحقيق الهدف، أشعر بعظم المسؤولية وثقل الأمانة التي شاء الله أن أحملها، وأعاهد الله وأعاهدكم أن أكرس جهدي ووقتي من أجل العمل على راحتكم وتوفير الرخاء والأمن والاستقرار لهذا البلد العزيز، وأن أكون أبا لصغيركم وأخا لكبيركم، فما أنا إلا واحد منكم، يؤلمني ما يؤلمكم ويسرني ما يسركم». الملك عبدالله: مستمرون في محاربة الفساد مع افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة لمجلس الشورى وجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز خطابا وقال: «لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير، ومن هنا سوف نستمر في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني، وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين، ورفع كفاءة العمل الحكومي، والاستعانة بجهود كل المخلصين العاملين من رجال ونساء، وهذا كله في إطار التدرج المعتدل المتمشي مع رغبات المجتمع المنسجم مع الشريعة الإسلامية». وأقدم الملك عبدالله على خطوة تاريخية في محاربة الفساد من الأساس، والسعي إلى مرافق قضائية متطورة، وأجهزة تحقيق متخصصة لضمان أكبر قدر من العدالة والحيادية في مواجهة المفسدين، ومنها إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في 1 صفر عام 1428ه، بهدف تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد. الملك سلمان: ماضون في محاسبة المقصرين فتح الملك سلمان بن عبدالعزيز الباب على مصراعيه، عندما أكد أحقية أي مواطن بمقاضاة القيادة السعودية أو أي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة، تأكيداً على ذلك، إذ قال: «إن دولة مثل السعودية تحكم بكتاب الله وسنة نبيه لا تقبل فسادا على أحد ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أيا كان حصانة عن إقامة الدعوى ضده، حتى وإن كان الملك نفسه، يوجد في بعض الدول الأخرى ملوك الدول أو رؤساؤها لهم حصانة عن الدعاوى، هنا يستطيع أي مواطن أن يرفع قضية على الملك أو ولي عهده أو أي فرد من أفراد الأسرة، وأعطيكم مثالا على هذا ما حدث مع الملك عبدالعزيز، صار بينه وبين أحد قضية ذهبا بها إلى قاضي الرياض آنذاك». وأكد «المواطن الذي هو محور اهتمامنا، وقد وجهنا بمراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها، ويسهم في القضاء على الفساد ويحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين». منذ البداية.. «مطرقة الإصلاح» في وجه المفسدين لم تطرأ هواجس محاربة الفساد وهمومه بغتة على المسؤول الحكومي في السعودية، إذ شكل إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) سلاحا فعالا في الحرب على الفساد والمضي في مسيرة الإصلاح في طريق التنمية. وقبل إنشاء الهيئة كانت تتولى مرافق الدولة الإدارية ممارسة هذا الدور في مكافحة الفساد والمحسوبية، وضبط العمل الإداري في مفاصل الدولة، منذ بدء إنشاء الجهات التنفيذية في الحكومة في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه. ويعد «ديوان المراقبة العامة، وهيئة التحقيق والادعاء العام»، والأجهزة العدلية في الدولة، أجهزة دأبت على محاربة الفساد والمفسدين، قبل إنشاء «نزاهة»، ومازالت تمارس العديد من الأدوار في سبيل المضي في ردع ذلك الداء المستشري، في ظل حرص قيادة الدولة على محاربة الفساد بكافة أنواعه وأشكاله، والتأكيد على أن أساسيات بناء الاقتصاد المستقبلي المتين قائم على إرساء قواعد الحق والعدل والمساواة. ويعتبر القفز على المراحل، والاستزادة من تجارب الآخرين، منهج الدولة منذ انطلاقتها الحقيقية، في سبيل الارتقاء لتطلعات المواطنين وملامسة حاجاتهم، وصياغة مفاهيم نوعية لتحقيق النزاهة الكاملة، وكف سبل الفساد، كما أن الحد من الترهل والبيروقراطية، في مختلف أجهزة الدولة، كان ديدننا لحكام تلك البلاد، انطلاقا من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويظهر ذلك جلياً في رحاب تطور عمل أجهزة الدولة، رغم تضخمها المستمر، لتؤكد بأن «النزاهة» كلمة السر للحاق بركب العالم الأول.