AbdulmohsinHela@ ما زلت في أجواء الشهر الفضيل، غمرتنا أيامه ولياليه بعبق روحانيتها فلم نفق إلا ونحن على وشك وداعه. استقبلنا قبل ليال ذكرى موقعة بدر الكبرى وسنبدأ الليلة العشر الأواخر، هنيئا لمن سيعطيها حقها طلبا للظفر بشهود أعظم لياليها، وفقنا الله جميعا لثوابها وخيرها العميم، ليلة واحدة هي عمر للإنسان المسلم. أحدث من هو خارج مكةالمكرمة عن رمضان مكة، نكهته هنا خاصة وأجواؤه لا تجدها في أي مدينة أخرى، صمت كثيرا في غيرها من المدن بحكم الدراسة أو العمل لكن لم أجد موازيا لهذه الروحانية المعطرة بقدسية المكان والزمان. هنا ترى العالم كله حولك باختلاف لغاته وألوانه وسماته، تقف للصلاة في الحرم في دوائر متراصة لا صفوف مستقيمة كما في غيره، ترفع رأسك لكعبته فتنهال عليك ذكرياتها، أول من وقف مكانها تسمعا لتهليل ملائكة الرحمن لأنها أقرب بقع الأرض لعرش الرحمن، أول من أعاد بنيان أركانها، أول من رفع حجرها الأسعد، تشدك الجموع تتبتل عندها، وتلفتك عظمة الإنجاز حولها ليتسع المكان لهذه الجموع. تصلي في غير الحرم من المساجد حوله فتشعر بعمق الامتزاج بين الماضي والحاضر، تشارك مجموعة في إفطار رمضاني بأحدها، فترى البهجة في النفوس المبتسمة حيث الكل يخدم الكل، تنتهي وأنت تسبح الله وتدعو أن يزيد عدد المسلمين وتزيد بركتهم وإنتاجهم. تسير في شوارع وأزقة مكة فتكاد تتلمس التاريخ يجري خلفك كظلك، تتلفت فإذا الشعب أمامك حيث ولد ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير بعيد ترى ديار أهله وصحابته، رضي الله عنهم، معروف مواقعها برغم كل آثار التحديث والبناء الجديد. تبحث أكثر تجد مساجد لها ذكر سواء مع الرسول عليه السلام أو صحابته الكرام، تسير وأنت تتنشق التاريخ وتتنفس صفحاته، تتذكر هذا الوادي الأجرد الذي دعا له إبراهيم عليه السلام بالرزق والثمر، تتبسم عندما تتذكر سؤاله عليه السلام عندما أمر أن يؤذن في الناس بالحج: وما يبلغ صوتي يا رب في هذا الخلاء؟ فيجيبه الرب سبحانه أذن وسيأتون رجالا وعلى كل ضامر، وها هي الوفود ما زالت تترى، والوادي قد أصبح قبلة الناس ومهوى أفئدتهم. ترفع رأسك شرقا فتجد جبل النور فتتذكر بدايات الدعوة، تتجه جنوبا فينتصب أمامك جبل ثور فتعرف سر تأريخك الهجري، وغيرها من معالم تزخر بها مكة. ليست القضية آثارا، فالآثار قد تطمس أو يدرسها الزمن، لكنه الإحساس الذي يتملك كل زائر لمكة، فضلا عمن يسكنها، أنه يعايش التاريخ موثقا أمامه مربوطة أحداثه زمانيا مترابطة مكانيا، فيعود بعد عمرته أو حجته ليقص على أهله وصحبه كيف أنه تقرى صفحات التاريخ بلمس، وأن خطواته في شعاب مكة ربما تطابقت مع خطوات الرسول عليه السلام أو أحد صحبه الكرام. [email protected]