تعد منطقة بقيع الغرقد الوجهة الأولى لضيوف الرحمن خلال تواجدهم في المدينةالمنورة، فبالإضافة إلى كونها مقبرة أهالي المدينة الرئيسية، فإنها تضم رفات عشرة آلاف صحابي دفنوا في هذه المقبرة التاريخية، إلى جانب زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وعماته، وهذه المقبرة التي تشرف عليها أمانة المدينةالمنورة تحظى بخدمة راقية وكبيرة واهتمام تعظيما لهؤلاء الصحابة والموتى الموجودين بها، وتقوم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة ومن خلال أعضائها بتوعية الزوار حول آداب الزيارة لهذه المقبرة التاريخية. عظة وعبرة وقال الحاج محمد حسنين من مصر، إن جميع الزوار يحرصون على هذه المقبرة التي كان يزورها الرسول صلى الله عليه وسلم، بالإضافة لوجود الصحابة رضي الله عنهم بها كما أن هذه المقبرة لها شأن تاريخي كبير، فكل حاج لابد أن يزورها بل يتمنى أن يدفن بها لما للمدينة فضل في ذلك، فيما اعتبر الحاج عثمان طه من السودان أن زيارة المقبرة فيها عظة وقال «زيارة هؤلاء الصحابة الكرام الذين كان لهم قدم السبق في الإسلام والجهاد ورفع راية الدعوة المحمدية واجب واعتزاز لكل مسلم بل إن الزوار عند الزيارة تهطل المدامع من عيونهم وهم يستعيدون مجد وتاريخ هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ورحمهم وجمعنا بهم إن شاء في جنته» معبرا عن سعادته بزيارة المقبرة التاريخية. آداب الزيارة من جانبه، أوضح الشيخ سليمان العنزي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينةالمنورة أن الهيئة ومن خلال فرع هيئة البقيع تسعى لتوعية الزوار وتوجيههم بأدب الزيارة الصحيحة خاصة في مواسم العمرة والحج، وتكثف لهذا الغرض برامجها التوعوية بمختلف لغات الحجاج، وقال «خصصت الهيئة شاشتين بالحجم الكبير على جدار البقيع يشاهدها كل من يهم بدخول البقيع للزيارة وتم تزويدها بمكبرات صوت لتكون الإرشادات بالصوت والصورة وبعدة لغات منها العربية والأوردية والفارسية والإنجليزية وتم تكليف عدد من الأفراد ذوي الخبرة لإدارة هذه الشاشات وتعتبر لغة البث حسب كثافة جنسية الزائرين». وأضاف «تخاطب هذه الشاشات زوار شبه القارة الهندية باللغة الأوردية والإيرانيين والأفغان باللغة الفارسية وزوار جنوب ووسط أفريقيا باللغتين الإنجليزية والفرنسية». بقعة مباركة من جهته، قال الباحث التاريخي المعروف الدكتور تنيضب الفايدي أن هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن فضل من يدفن في هذه البقعة المباركة ومنها قول عبدالله بن عمر أن رسول الله علية أفضل الصلاة والسلام (من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت فيها) لذلك يحرص الكثير وخاصة من أهالي المدينة أن لا يدفن إلا في هذه البقعة الطاهرة والمباركة والتي تضم بين جنباتها صحابته عليه أفضل الصلاة والسلام وعماته وزوجاته رضوان الله عليهم. وأضاف «كان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يزور البقيع ويحضر مشاهد من يتوفى من الصحابة ويسأل عندما يرى قبرا جديدا فاته أن يصلي عليه فيصلى عليه بعد أن يعاتب الصحابة عن عدم علمه عن ذلك ويقول لهم «إن صلاتي على الميت رحمة له». وزاد الدكتور تنيضب «أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت إنه كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وآتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». مقابر الأرض أما الدكتور سليمان الرحيلي عضو هيئة التدريس بجامعة طيبه والمؤرخ التاريخي المعروف، فبين أن أهل بقيع الغرقد هم أول من يحشر من مقابر الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال: روى الترمذي من طريق ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبوبكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم انتظر أهل مكة حتى أحشر بين الحرمين. وأضاف: من مات بأحد الحرمين يبعث آمنا يوم القيامة فقد روى الطبراني في المعجم الصغير من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة. وأردف الرحيلي «يبعث الله من أهل بقيع الغرقد سبعين ألفا وجوهم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بلا حساب وفي هذه البقعة أيضا بالإضافة إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وزوجاته وعماته وأحفاده والكثير من صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وفي مقدمتهم الخليفة عثمان بن عفان والخليفة الرابع علي بن أبي طالب على بعض الروايات وخيار الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين». يذكر هنا، أن بقيع الغرقد تحظى باهتمام أمانة المدينةالمنورة كونها الجهة المشرفة على نظافتها والاهتمام بها وذلك من خلال وكالة الخدمات والتي خصت إدارة التجهيز التي ألحقت بجوارها وتهتم بكل أمورها مثل آلية تجهيز الميت ودفنه ونظافته والإشراف عليه بشكل مباشر. ويعد مسجد قباء الوجهة الرئيسية لكثير من الزوار بعد المسجد النبوي الشريف ويتذكر المسلمون وضيوف الرحمن وزوار طيبة الطيبة الهجرة النبوية المباركة ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر الإسلام وذكريات جهاد الأنصار وصمودهم إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتصر الحق على الباطل، وكانت انطلاقة الإسلام الأولى في المدينةالمنورة من مسجد قباء، تلك القرية التي استقبل فيها صلى الله عليه وسلم بالحفاوة والترحيب كما أنه أول مسجد أسس على التقوى وأول مسجد بني في الإسلام. ويشهد موقع شهداء أحد الكثير من الزوار للموقعة التاريخية بين المسلمين والمشركين والتي استشهد فيها (70) صحابيا منهم حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه عم الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث يقف الكثير من الزوار منبهرين من عظمة وشموخ جبل أحد الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (جبل أحد يحبنا ونحبه). «عكاظ» التقت بعدد من الزوار وكانت البداية مع حسن منذر من مصر يقول إن زيارة مسجد قباء والمواقع الإسلامية الأخرى لها متعة خاصة وقال «أستمتع بزيارة الأماكن التاريخية والدينية ولدي الرغبة في البقاء لوقت أكبر في هذه المواقع الإسلامية». وعبر عبدالواحد أحمد من ليبيا عن سعادته لأدائه نسكه بكل يسر وسهولة وحاليا في المدينةالمنورة يتمتع بالأجواء الروحانية كما يستمتع بزيارة المواقع التاريخية. وقال «بعض سائقي الأجرة لديهم معرفة تامة بأهم المواقع التاريخية ويقومون بالشرح لنا عن أبرز المواقع والأحداث التاريخية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين».