A_Bawazier@ منذ اللقاء الأول الذي جمع مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن والرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية «كوينسي» عام 1945 (بعد 14 عاماً من اعتراف واشنطن بالمملكة دولة مستقلة)، أدرك البلدان أهمية التحالف ووجدت واشنطن في الرياض ثقلا إسلامياً وعربياً وقدرة على التأثير في المحيط العربي والإسلامي. ويذهب مراقبون إلى أن لقاء «كوينسي» يعد أول قمة «سعودية – أمريكية»، رغم أن مراجع تاريخية عدة تشير إلى إرسال الملك عبدالعزيز ابنيه الأميرين –آنذاك- فيصل وخالد إلى واشنطن لمقابلة الرئيس فرانكلين روزفلت قبل اللقاء الشهير بعامين، بعد دعوة الأخير لتناول ملفات مهمة لعل أبرزها «بحيرة النفط الكبيرة» الواقعة تحت أراضي السعوديين. ويصف محللون لقاء «كوينسي» بأنه جاء بمثابة انطلاقة راسخة للتحالفات بين البلدين، وعززت الأيام والمواقف ثقة قادة بلاد العم سام بحصافة الرياض، ومواقفها المعتدلة في وقت كان العالم العربي يجنح إلى اليسار. ورغم بعض مراحل الفتور الذي أصاب العلاقات السعودية الأمريكية، إلا أن إدراك الإدارات الأمريكية المتعاقبة أهمية الرياض، يجعل من «فتور العلاقات» سحابة صيف عابرة، ولعل فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كانت آخر «سحابات الصيف» التي مرت في تاريخ العلاقة. ويحمل مسؤولون سعوديون كبار إدارة الرئيس الأمريكي السابق مسؤولية عدد من الملفات، لعل أهمها استمرار القتل في سورية، وإنقاذ إيران من الحصار الاقتصادي، ما جعلها أكثر فاعلية في خططها التدميرية في المنطقة. وكان الرجل الثالث في المملكة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واضحاً عندما حمّل الرئيس أوباما تفويت فرص الحل في سورية، ما يراه محللون تجسيداً للمزاج السعودي تجاه الإدارة الأمريكية السابقة ودورها في عدد من الملفات. وبالعودة إلى قراءة العلاقة طوال العقود السبعة، رسخ الملك المؤسس علاقة وطيدة مع واشنطن عقب لقاء الرئيس روزفلت، واستمرت العلاقات الديبلوماسية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وزار مسؤولون سعوديون «بلاد العم سام» في أكثر من مناسبة كالتوقيع على اتفاقية تأسيس الأممالمتحدة في يونيو 1945، ومثّل الملك عبدالعزيز ابنه فيصل في النقاشات ووقع وثيقة انضمام المملكة إلى الأممالمتحدة. توجهت الطائرة الملكية السعودية بالملك سعود بن عبدالعزيز إلى واشنطن ليلتقي الرئيس الأمريكي ال34 دوايت أيزنهاور (صاحب التعديل الدستوري ال22 الذي حدد حكم الرئيس بفترتين) عام 1957، وبزيارة الملك سعود بن عبدالعزيز إلى واشنطن، يكون أول عاهل للمملكة الجديدة تحط طائرته في بلاد «العم سام». وتأتي الزيارة الملكية السعودية عقب دور أيزنهاور في إنهاء العدوان الثلاثي على مصر. وناقش الملك سعود مع مضيفه الأمريكي مبادرة تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ومواجهة الزحف الشيوعي الذي كان الرئيس الأمريكي أيزنهاور من أشد المناوئين له. كرر الملك سعود زيارته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن هذه المرة بدعوة من الرئيس جون كينيدي عام 1962، وحضر الملف الاقتصادي بمحور البنك الدولي في هذه الزيارة، وتقوية العلاقات بين البلدين التي بدأت تنمو بسرعة فائقة. واستمرت اللقاءات على مستوى القيادات التنفيذية بين البلدين وعلى هوامش مناسبات كاجتماع الجمعية العمومية في الأممالمتحدة. وفي عام 1966، أطل الملك فيصل بن عبدالعزيز من واشنطن، والتقى الرئيس الأمريكي ال36 ليندون جونسون، ويرى مراقبون أن تلك الزيارة حملت عنوانا رئيسيا: (توسيع الشراكة السعودية – الأمريكية) في عدد من القطاعات، وكان المحور العسكري حاضراً وبقوة. وبعد زيارته الأولى لواشنطن منذ تسلمه مقاليد الحكم، بخمسة أعوام، التقى الملك فيصل الرئيس الأمريكي ال37 ريتشارد نيكسون في واشنطن، ولم تختلف الملفات التي حملها الملك فيصل عن زيارته الماضية، بيد أن الإلحاح السعودي على تزويد المملكة بطائرات كان عنوان الزيارة، حتى أن الرئيس نيسكون قال إن الإدارة الأمريكية «مستعدة لتبيع للسعودية كل ما تريد»، ما أثار اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس. البحث عن الحكمة وبعد ثلاثة أعوام من زيارة الملك فيصل الثانية إلى واشنطن (1974)، حلقت طائرة الرئاسة الأمريكية بنيكسون تجاه السعودية، وقابل الملك فيصل، ليكون أول رئيس أمريكي يزور أراضي السعودية منذ لقاء الملك عبدالعزيز ورزفلت «البحري»، وكان الضيف الكبير قد بحث مع السعوديين إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة في جدة. ووفقاً للكاتبة رقية الزميع في مقالة لها على «العربية نت»، فإن الرئيس نيكسون رد على كلمة الملك فيصل الترحيبية «صاحب الجلالة أنا أعلم أن كثيراً من الأشخاص -على الأقل كما هو متوقع- يأتون إلى السعودية للحصول على النفط، أما نحن فنحتاج لما هو أثمن من النفط، نحتاج إلى الحكمة (...)، ولأنني رجل سياسة عمليّ دعوني أقول إننا سنحصل على كثير من الحكمة التي سنحملها معنا بعد هذه الزيارة». في عام 1978، زار الرئيس الأمريكي ال39 جيمي كارتر الرياض، والتقى الملك خالد بن عبدالعزيز وولي عهده –آنذاك- الأمير فهد عبدالعزيز، وجاءت فلسطين العنوان العريض للزيارة. تجاوز «الغيمة» واتجهت الطائرة الملكية السعودية بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز إلى واشنطن عام 1985، والتقى الضيف السعودي الكبير الرئيس الأمريكي ال40 رونالد ريغان، وكانت تلك الحقبة بداية تجاوز تلبد «سماء العلاقات» بين البلدين، وبحث الزعيمان كيفية مواجهة الزحف الشيوعي، ودعم الشعب الأفغاني ضد المحتل الروسي. وبعد اجتياح نظام البعث في العراق للأراضي الكويتية، بلغت العلاقات السعودية الأمريكية أعلى مستوياتها، واستطاعت الديبلوماسية السعودية جر العالم إلى صفها ضد القوات العراقية المعتدية، وزار الرئيس الأمريكي ال41 جورج بوش الأب القوات الدولية لتحرير العراق قبل انطلاق «عاصفة الصحراء» والتقى الملك فهد والشيخ جابر أمير الكويت. وبعد تحرير الكويت، بثلاثة أعوام، زار الرئيس الأمريكي ال42 المملكة، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. زيارة ما بعد 9/11 وزار ولي العهد –آنذاك- الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الولاياتالمتحدة أكثر من مرة، والتقى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في 1998، وعاود الزيارة في 2002، بعد أحداث ال11 من سبتمبر، والتقى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في مزرعة الأخير بتكساس، وهو ثاني اجتماع بين مسؤول سعودي ورئيس أمريكي عقب أحداث سبتمبر 2001، إذا التقى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بالرئيس بوش بعد حادثة منهاتن. ويحسب للإدارة السعودية، قدرتها على تجاوز أزمة 11 سبتمبر التي هزت العالم، إذ عملت مع واشنطن في ملاحقة الإرهابيين، حتى أن دولا غربية مدينة للرياض في إبطال عدد من العمليات الإرهابية التي كانت على وشك الحدوث، بفضل جهاز الاستخبارات السعودي. وفي 2005، التقى ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بوش (الابن)، وخرجا ببيان مشترك يؤكد احترام الولاياتالمتحدةالأمريكية للسعودية (كمهد للإسلام). وزار بوش (الابن) الرياض عام 2008، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وفي منتصف العام ذاته، زار بوش المملكة للمرة الثانية في عام، والتقى المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. توجه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في فترة رئاسته الأولى إلى المملكة في ثالث زياراته الخارجية، والتقى الملك عبدالله، وكانت سلبية الدور الإيراني وصلت إلى مستويات كبيرة في المنطقة، وناقش الزعيمان ملفات دولية عدة كفلسطينوالعراق والعلاقات الاقتصادية بين البلدين. وفي عام 2010، التقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز أوباما في واشنطن. وعاد أوباما إلى الرياض في يناير 2015، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وكانت العلاقات السعودية الأمريكية وصلت مستويات من التوتر يصفها مراقبون ب«الملحوظة»، وتلقى الرئيس الأمريكي وجهات نظر السعوديين المنتقدة لأداء إدارته مع عدد من الملفات في العالم. أوباما زار الرياض 3 مرات وزار الملك سلمان الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 2015، والتقى الرئيس أوباما، وشهدت الزيارة عقد مباحثات رسمية بين السعوديين والأمريكيين في قضايا وملفات عدة ذات اهتمام المشترك. وزار الرئيس الأمريكي أوباما السعودية مرة ثالثة في أبريل من العام الماضي، لحضور اجتماع قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحمل مسؤولون سعوديون في أكثر من مناسبة تنامي دور الأسد إلى عدم قيام المجتمع الدولي -وعلى رأسه إدارة أوباما- بواجباته تجاه الشعب السوري. وفي مايو 2015، التقى الرجلان المهمان في السعودية (ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان) الرئيس الأمريكي في واشنطن، وتباحثوا عددا من الملفات المهمة في المنطقة. ثقل «حكومة سلمان» يضع الرياض على رأس الخيارات ما إن انتزع الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترمب كرسي الرئاسة من منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون في خريف العام الماضي، إلا وهنّأ الملك سلمان، الرئيس الجديد عبر اتصال هاتفي. وفي الوقت الذي دخل ترمب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان اتصالاً من الرئيس الجديد، وأجمع مراقبون في واشنطن حينها على أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي استغرق ساعة كاملة بحسب مصادر مقربة للبيت الأبيض، رسم ملامح سياسة إدارة ترمب تجاه الشرق الأوسط، إذ ركَّز على تعزيز مكافحة الإرهاب، ومواجهة أنشطة إيران الهادفة لزعزعة استقرار المنطقة. ويبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي الجديد في أولى زياراته الخارجية للسعودية جاء في وقت لم تفق اللوبيات المناهضة للمملكة من صدمتها، عقب زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولاياتالمتحدة ليكون أول مسؤول سعودي رفيع يلتقي الرئيس الأمريكي. وكانت زيارة MBS كما يطلق الأمريكيون على الرجل الثالث في المملكة «تاريخية» وذات أبعاد اقتصادية ضخمة وسياسية، إذ بدأ الأمير محمد بن سلمان الذي يتولى الملف الاقتصادي ورؤية 2030 في بلاده، إضافة إلى حقيبة وزارة الدفاع، في عقد شراكات ضخمة. واعتبر مراقبون زيارة الأمير محمد بن سلمان التي صاحبها زخم كبير في مراكز الدراسات والصحف العالمية، ب «الراسمة لخارطة طريق للتعامل مع المشكلات وقضايا المنطقة»، خصوصاً في ظل تنامي داعش والإرهاب الإيراني المؤجج للطائفية. وخرجت المملكة من زيارة ولي ولي العهد بشراكات كبيرة شملت كبريات الشركات الأمريكية الضخمة، وجاءت النتائج الإيجابية من الزيارة عقب جلسات «ماراثونية» مع المسؤولين الأمريكيين وإدارات شركات تنفيذية. ويرجع مراقبون بعض ملامح رؤية ترمب الإيجابية للمنطقة إلى زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن، وبزيارة الرئيس ال 45 دونالد ترمب إلى السعودية، تصل العلاقات السعودية الأمريكية إلى أرض صلبة في التحالفات العميقة سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً (البلدان ضمن تحالف دولي واحد لمكافحة داعش). وبين لقاء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن والرئيس روزفلت على ظهر الناقلة الأمريكية المدمرة الأمريكية «كوينسي» وزيارة الرئيس ال45 إلى الرياض 72 عاماً من الثقة والشراكة بين البلدين، ويتوقع مراقبون أن يخرج البلدان من الزيارة المرتقبة بتقدمات كبيرة في وجهات النظر المشتركة حيال عدد من ملفات المنطقة.