نقسمت أوروبا أمس الجمعة في خلاف تاريخي بشأن إقامة اتحاد مالي أكثر ترابطاً؛ للمحافظة على اليورو، بعد أن اتفقت أغلبية كبيرة بقيادة ألمانيا وفرنسا على المضي قدماً في معاهدة منفصلة، وتركت بريطانيا معزولة. ووافق 23 زعيماً من زعماء الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، على إنشاء اتحاد أكثر ترابطاً، يتضمن تشديد قواعد الميزانية في منطقة اليورو، لكن بريطانيا قالت إنها لا يمكن أن تقبل التعديلات المقترحة على معاهدة الاتحاد الأوروبي بعد فشلها في الحصول على تنازلات لصالحها. وبعد محادثات استمرت عشر ساعات اتفقت كل الدول الأعضاء في منطقة اليورو، البالغ عددها 17، إضافة إلى ست دول تطمح إلى الانضمام إلى الكتلة، على التفاوض بشأن اتفاق جديد إلى جانب معاهدة الاتحاد الأوروبي، مع نظام أكثر صرامة للعجز والديون؛ لحماية منطقة اليورو من أزمة الديون. وقالت السويد والمجر وجمهورية التشيك إنها تحتاج إلى التشاور مع برلماناتها. وقالت داليا جريباوسكايتي رئيسة ليتوانيا عند وصولها للمشاركة في اليوم الثاني من ثامن قمة أوروبية تُعقد لمناقشة الأزمة هذا العام: «ليست أوروبا بل البريطانيون هم المنقسمون، وهم خارج صناعة القرار. أوروبا متحدة». وقال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي إن الأساليب التفاوضية لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «خرقاء». ووصف رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي القرار بأنه خطوة للأمام نحو تشديد قواعد الميزانية، الذي قال إنه أمر ضروري إذا أرادت منطقة اليورو أن تصبح أكثر قوة بعد عامين من اضطرابات الأسواق. وقال دراجي: «سيكون هذا هو الأساس لإحكام الميزانية وزيادة الانضباط في السياسة الاقتصادية لدى أعضاء منطقة اليورو». وأضاف «توصلنا إلى نتائج يجب تحديد تفاصيلها خلال الأيام المقبلة». وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها راضية جداً عن القرارات. وأضافت بأن العالم سيرى أن أوروبا تعلمت من أخطائها، وتجنبت «تسوية رديئة». وقالت ميركل، أقوى قائد في أوروبا، إنها لم تتخلَّ عن الأمل بأن توافق بريطانيا في نهاية المطاف على تغيير معاهدة الاتحاد الأوروبي؛ لإرساء قواعد مشددة لضبط الميزانيات. وسيكون الدعم النشط من البنك المركزي الأوروبي حيوياً في الأيام القادمة؛ نظراً إلى أن الأسواق تشك في قدرة إجراءات الحماية المالية الأوروبية على تأمين اقتصادات مثل إيطاليا وإسبانيا التي يتعين عليها مد آجال ديون بمئات مليارات اليوروات في العام المقبل. وقالت وزيرة شؤون أوروبا في إيرلندا لوسيندا كريتون إن دبلن والعديد من الدول الأعضاء تتوقع أن يكون المركزي الأوروبي أكثر مبادرة في تعاملهع أزمة الديون في الأسابيع المقبلة. وقال متعاملون إن المركزي الأوروبي اشترى سندات إيطالية اليوم الجمعة؛ لتهدئة الأسواق. وقالت كريتون إن هناك احتمالاً بنسبة 50 في المئة أن تضطر إيرلندا لإجراء استفتاء بشأن التصديق على معاهدة الاتحاد المالي. وكانت ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يتطلعان لموافقة جميع دول الاتحاد الأوروبي على تغيير معاهدة لشبونة؛ حتى يتسنى إدراج القواعد المشددة للميزانيات والديون المتعلقة بدول منطقة اليورو في معاهدة الاتحاد. لكن بريطانيا التي ليست عضواً في منطقة اليورو رفضت هذه الخطوة، وقالت إنها تريد ضمانات ضمن بروتوكول يحمي قطاع الخدمات المالية البريطانية، الذي يشكِّل عشر الاقتصاد البريطاني تقريباً. ووصف ساركوزي طلب كاميرون بأنه غير مقبول. وألمح كاميرون إلى أن لندن قد تحاول منع الدول الأخرى من استخدام المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد، إضافة إلى محكمة العدل الأوروبية، قائلاً «بالطبع مؤسسات الاتحاد الأوروبي هي للاتحاد الأوروبي.. هي للدول السبع والعشرين». وخلال القمة قرر الزعماء أيضاً أن يحد حجم صندوق الإنقاذ الدائم لمنطقة اليورو عند 500 مليار يورو (666 مليار دولار) كما أصرت ألمانيا. ولن يحصل الصندوق على صلاحيات بنك، وهو ما كان من شأنه أن يتيح له السحب من أموال البنك المركزي الأوروبي لزيادة حائط الحماية، وهي خطوة أخرى اعترضت عليها ألمانيا.