أثارت الأنباء التي نشرتها صحيفة الإندبندت البريطانية خلال الأيام الماضية، حول لجوء السعودية لاقتراض عشرة مليارات دولار، حالة من الجدل في الشارع وطرحت علامات استفهام حول الأسباب التي دفعت السعودية إلى هذا الخيار. ووفقا لصحيفة سبق أكد خبراء اقتصاد أنه بصرف النظر عن مدى صحة الخبر من عدمه، فلا يجب أن نرفع من مستوى تضخيم الشأن الاقتصادي، مؤكدين أن العالم بأكمله يعيش أزمة اقتصادية، وعملية الاقتراض تعد خياراً معروفاً لدى الاقتصاديين، وأحد أدوات السياسة المالية المؤقتة التي تلجأ إليها الدول لظروف معينة، في ظل تراجع أسعار البترول وعدم رغبة الحكومة في استنزاف الاحتياطات النقدية. وأوضحوا أن الاقتراض من الخارج يسهم بشكل مباشر في دعم السيولة المحلية، وهو خيار ربما رجحته الحكومة في مقابل الخيارات الأخرى المتاحة. الجدير بالذكر أنه سبق للسعودية أن مرت بظروف مالية أشد وطأة من الوضع الحال، خلال فترة انخفاض البترول في عقدي الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، ولجأت الحكومة إلى الاقتراض حتى بلغت نسبة الدين العام أكثر من 70% من الناتج المحلي، بيد أنها نجحت من خلال سياستها في تخطي تلك المرحلة وقامت بشكل تدريجي بسداد تلك القروض، حتى انخفضت قبل تراجع النفط عام 2014 إلى نسبة منخفضة لم تتجاوز 1.5%. ويقول الكاتب الاقتصادي غسان بادكوك: فكرة قيام السعودية في الاقتراض لا يعد أمراً سيئاً على الإطلاق، ولا يعكس حدوث أي أزمات، مرجعاً السبب في ذلك إلى نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي والتي لا تزال عند أدنى مستوياتها ولا تتجاوز في تقديري 6% من إجمالي الناتج المحلي، لافتاً أنها من النسب المتدنية على المستوى الدولي، وقال: مقدار المبلغ الذي تردد في وسائل الإعلام أن المملكة اقترضته يعد ضئيلاً جداً، بالنسبة إلى إجمالي موازنة المملكة، وأيضاً إلى إجمالي نسبة العجز. وقال: لا تزال السعودية بالرغم من انخفاض أسعار البترول وتقلص الإنفاق العام بشكل ما تمتلك احتياطات مالية ضخمة في الخارج، نتيجة للسياسات المالية الحصيفة التي انتهجتها الحكومة السعودية خلال السنوات ال 12 الماضية والتي كانت فيها أسعار البترول مرتفعة. ورداً على تساؤل حول ما إذا كان الاقتراض يشير إلى أزمة، أجاب: لا أعتقد أن اقتراض المملكة مؤشر على حدوث أزمة، في تقديري هذا من أدوات السياسة المالية المؤقتة التي تلجأ إليها الدول لظروف معينة، لافتاً إلى تراجع أسعار البترول وعدم رغبة الحكومة في استنزاف الاحتياطات النقدية. وأوضح أن السعودية الآن تقوم بالإعداد لبرنامج التحول الوطني الهادف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على دخل النفط، مؤكداً أننا على الطريق الصحيح لإعادة هيكلة الجوانب المالية للدولة، وهذا بحد ذاته مؤشر جيد أن الحكومة السعودية تسير في الاتجاه الصحيح. وعن بعض الحلول المقترحة في هذا التوقيت، أجاب: قد يكون من المفيد تمويل جانب من عجز الميزانية، من خلال إصدار الصكوك التي تمتاز بالكثير من الإيجابيات باعتبارها أوراقاً استثمارية تدعمها مشاريع تدر أرباحاً، وذلك بخلاف سندات الخزانة التي تعتبر قروضاً، حيث تساهم الصكوك في تخفيف العبء عن الميزانية بتوفير تكاليف بعض المشروعات، إضافة إلى انخفاض مخاطرها. وتابع: كما بالإمكان الإسراع بتنفيذ إستراتيجية التخصيص لاسيما في بعض القطاعات التنموية كالمياه والكهرباء والموانئ، وهو ما يتيح للدولة المزيد من التركيز على الجوانب السيادية كالأمن والدفاع، مع عدم االتأثير على مستوى الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والإسكان، فضلاً عن أن التخصيص سيوفر مبالغ مالية تدعم الاحتياطات والفوائد المستمرة، كما يمكن أيضاً بذل المزيد من الجهود لخفض النفقات الحكومية "الكماليات"، مع وضع ضوابط أكثر صرامة لمكافحة التبذير ومكافحة الفساد وتعثر المشروعات، كما يمكن إعادة النظر لتصحيح ميزانية برامج بدلاً من ميزانية القطاعات. أما الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين، فقال ل"سبق": من الطبيعي أن تنعكس أزمة أسعار النفط سلباً على الدول المنتجة التي باتت تعاني بشكل واضح من انخفاض الدخل، ما فرض عليها البحث عن مصادر بديلة لتمويل عجوزات موازناتها. ولفت إلى أنه اليوم سمعنا عن اضطرار النرويج للسحب من احتياطياتها لأول مرة، كنتيجة مباشرة لانخفاض أسعار النفط برغم تنوع اقتصادها، هذا يؤكد على أن المتغيرات النفطية أثرت على جميع الدول المنتجة دون تمييز وإن تفاوتت نسبة التأثر بين دولة وأخرى. وأوضح البوعينين أن السعودية من الدول المتضررة من انخفاض أسعار النفط، ما دفع بالحكومة لإصدار سندات محلية لتمويل العجز والاحتياجات الملحة، بيد أنه يبدو أن السندات المحلية أثرت في حجم السيولة، ما يستدعي التفكير الجدي في تسييل مزيد من الاحتياطيات أو الاقتراض الخارجي. مشيراً في ذلك إلى بعض الأخبار التي تشير إلى عزم الحكومة الاستدانة من الخارج لتوفير الاحتياجات المالية ودعم السيولة المحلية، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الظروف الاستثنائية. وحول فوائد تلك الخطوة قال: الاقتراض من الخارج يسهم بشكل مباشر في دعم السيولة المحلية، وهو خيار ربما رجحته الحكومة في مقابل الخيارات الأخرى المتاحة، ولفت إلى أن الاقتراض السيادي في هذا الوقت ربما يحمل الحكومة مصاريف إضافية كنتيجة مباشرة لارتفاع تكلفة الاقتراض لعلاقتها المباشرة بالتصنيف الائتماني، إضافة إلى توقعات الدخل المستقبلي المرتبط بأسعار النفط، وقال: أعتقد أن الحكومة قادرة أيضاً على ربط الاقتراض بمشروعات محددة أو من خلال بعض الشركات الحكومية كما هو مطبق عالمياً. وأكد ما قاله بادكوك من كون إصدار السندات والاقتراض الخارجي ضرورة يتطلبها الوضع الحالي، خاصة مع ارتفاع فاتورة الالتزامات المالية المرتبطة بالمشروعات تحت الإنشاء والمشروعات الملحة التي لا يمكن تأجيلها. وحول دور برامج التحول ومدى تأثرها بالأزمة الاقتصادية أجاب: إعادة هيكلة الاقتصاد وتنفيذ برامج التحول ربما جاءت في ظروف مالية صعبة، إلا أنها تبقى من الأولويات التي يحتاجها الاقتصاد، وتبقى العبرة في أهداف البرنامج المستقبلية التي يجب ألا تحيد عن تنويع مصادر الاقتصاد، وبما يضمن تنويع مصادر الدخل.