الحمد لله الذي شرفنا بهذا الشهر المبارك تشريفا..وضاعف لنا فيه الحسنات تضعيفا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبدٍ كان ولا يزال ضعيفا، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي كان بالخيرات موصوفا ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . إخواني وأخواتي : ما أسرع أيام السرور وانقضائها ، وما أعجل لحظات الفرح وزوالها ، وإن سرور المؤمن وفرحه شهركم الذي بين أيديكم شهر رمضان . يالله لكأننا نتذكر يوم هل هلاله ، وتباشر الناس بظلاله ولكأنه الأمس أو قبيله . أخي..أختي ..إليكم ندائي وسؤالي: هاهي سفينة رمضان تسير سريعا ، وعقارب ساعاتها لا تنتظر أحد ، فيالله أين ركابها الصالحون؟! ألحقوا بها أم تخلفوا عن مراكبها ؟! . هاهو رمضان قد قرب رحيله ..وأزف تحويله ..فياليت شعري بماذا أودعتموه؟! وبأي الأعمال ودعتموه؟! . ياشهر رمضان ترفق..دموع المحبين تدفق..قلوبهم من ألم الفراق تشقق..عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق..عسى من استوجب النار يعتق . قال بعض الصالحين : حضرت مجلس منصور بن عمار الواعظ آخر جمعة في رمضان ، فذكر فضل صيامه وقيامه ، وما أعد الله فيه لمن أخلص الأعمال ، فلم يتأثر أحد ، فلما رأى جمود مجلسه ، قال : ياقوم ألا باكٍ على ما ظهر من عيوبه!! ألا راغبٍ إلى الله تعالى في غفران ذنوبه!!أما هذا شهر التوبة والغفران؟! أماهذا معدن العفو والرضوان؟!أما فيه تفتح أبواب الجنان؟!أما فيه تغلق أبواب النيران؟!أما فيه صفد كل ماردٍ شيطان؟! أمافيه تفرق خِلعُ الإحسان؟! أما فيه يتجلى الملك الديان؟! أما فيه يعتق كل ليلة عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار ؟! فمالكم عن ثوابه ضالون؟! وفي ثياب المخالفة رافلون ؟! ( أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون ) ( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ) . قال : فهاج المجلس بالبكاء والنحيب ، وقام إليه شاب يتقطع من البكاء ، وهو يقول : ياشيخ أتراه يقبل صيامي؟ أو يكتب مع القائمين قيامي؟ بعد أن جرى مني ما كان من الذنوب والعصيان ، فقد انقضى عمري في كسب المعاصي ، وغفلت بشقوتي عن يوم الأخذ بالنواصي . فقال له منصور : يا ولدي تب إليه ، فقد قال ( وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحاً ثم اهتدى )، ثم أمر منصور القارئ فقرأ ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) ، فصرخ الشاب وقال :وا طرباه..وا شوقاه إلى من لم يزل إحسانه واصلاً إلي ، وذيل حلمه مسبلاً علي ، ثم صرخ ووقع ميتاً رحمه الله . فيا رعاك ربي : أين توبتك الصادقة في رمضان؟! أين مقلتك الباكية في رمضان ؟!أين دمعتك الجارية على شهر العفو والغفران؟! ترحل الشهر وا لهفاه وانصرما واختص بالفوز في الجنات من خدما وأصبح الغافل المسكين منكسراً مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهم والندما طوبى لمن كانت التقوى بضاعته في شهره وبحبل الله معتصما أيها الصائم القائم : من كان منع نفسه في شهر رمضان من الحرام ، فليمنعها فيابعده من الشهور والأعوام . قل لي بربك ما الذي استفدناه من رمضان إن كان المرء سيعود إلى فعل ما كان من الذنوب والعصيان؟! أخي..أختي : إن من علامة قبول الحسنة إتباعها بحسنة مثلها ، وإياك إياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. إليك صفاء سؤالي وصدق ندائي : ما الذي استفدته من رمضان ؟ قف مع هذا السؤال كثيرا في ختام شهرك ..حاسب نفسك..طهر قلبك ..تفقد عملك.. وليكن رمضان منطلقا لحياة إيمانية جديدة..وليكن رمضان منطلقا لحياة تودع فيها ذنوباً طالما قارفتها ، وتبادر فيها صالحات طالما هجرتها .. هاهي كل ليلة صحائف المعتقين من جهنم ترفع كل ليلة ، يا رب يا مولاي اجعلني وإياك منهم . كتبه/ فيصل بن عبد الرحمن الشدي المحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إمام وخطيب جامع العز بن عبدالسلام بمحافظة الخرج