نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم مقالا لمراسلها مارتن فليتشر بعث به من مدينة حلب، كبرى المدن السورية، يروي فيه حكايات لقائه مع خمسة من الشبان في تلك المدينة، اتحدوا في الهدف ضد نظام الاسد، رغم اختلاف أصول جنسية البعض منهم. وفي ما يلي نصه: "اجتمع الشبان الخمسة مع صحيفة "ذي تايمز" في مسكن احد مزارع شمال حلب. وامتنعوا جميعا عن التعريف بهوياتهم الحقيقية وعن التقاط الصور معهم. سمحوا لنا فقط بان نسجل صوت احدهم وهو يرتل، بطريقة بديعة، آيات من القران في فترتين ادوا خلالهما مراسم الصلاة خلال لقائنا معهم. كانوا جميعا ملتحين، وفي العشرينات من العمر. بعضهم كان يرتدي ال"بنطال" الفضفاض، مثل المجاهدين الافغان. وأحدهم، وهو تركي، كان الوحيد غير السوري ضمن المجموعة، ارتدى قبعة تخفي بعض ملامح الوجه لمزيد من التخفي. وهناك زعيم المجموعة، الذي فقد عينه اليمنى بسبب شظية اثناء القتال في حلب، لكنه كان رابط الجأش. وقال ان "النبي قال اذا فقدت اي جزء من بدنك فانك ستجده في الجنة"، حسب رواية المترجم "لقد فقدت عيني، لكن ذلك يجعلني اكثر تصميما على مواصلة القتال". ولم يكن لا هو ولا زملاؤه يخشون الموت "القرآن يقول ان الموتى احياء عند ربهم. سنذهب كلنا الى الجنة ولسنا نخشى ذلك". هؤلاء الرجال كانوا اعضاء في جماعة "جبهة النصرة"، التي تضم مجموعة من الاسلاميين المتشددين يقال انهم مرتبطون بتنظيم "القاعدة". وقد قامت منذ تأسيسها في كانون الثاني (يناير) بمقاتلة النظام السوري مستخدمة السيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية واجهزة التفجير المحلية الصنع. ويبدو ان الجيش السوري الحر يشعر بالارتياح لضم "جبهة النصرة" الى صفوفه لاسقاط النظام. ويظهر ان المجموعة تحظى بتمويل سخي. وخلافا لمقاتلي الجيش السوري الحر فان اعضاء المجموعة منظمون ومنضبطون. فهم لا يدخنون ويصومون يومين في الاسبوع ويمقتون اللهو. وقال احد افراد الجيش السوري الحر باعجاب انه شاهد مقاتلي "جبهة النصرة" يتنافسون على ان يكون لهم شرف التسجيل على قائمة الانتحاريين قبل غيرهم. وعرض على "ذي تايمز" صورا التقطها بهاتفه الجوال تبين زملاء له وهم يختبئون وراء اكياس من الرمل، فيما كان أحد افراد "جبهة النصرة" يقف بقامته في وجه قوات النظام ويطلق عليهم نيران بندقيته ال"كلاشنيكوف - ايه كيه 47". وتزداد جاذبيتهم فيما يقوم النظام بقتل الغالبية السنية في سوريا، ويقف الغرب متفرجاً على هامش الاحداث. ورغم ان المراقبين يعتقدون ان عددهم لا يتجاوز بضع مئات في انحاء البلاد، فان من المدهش ان حضورهم بارز في حلب، بل انهم يقومون بحراسة مستشفيات. من جانب اخر، فان الرئيس السوري بشار الاسد يستخدم "جبهة النصرة" لمصلحته. فالكثيرون منهم ليسوا سوريين وقد قاتلوا في العراق وافغانستان والشيشان، ما يمنح ادعاءاته مصداقية زائفة بان الانتفاضة من افعال ارهابيين اجانب وانها مؤامرة لتحويل دولة متعددة الاعراق الى دولة اسلامية متشددة. ثم ان وجودهم يثير القلق في نفوس الغرب الذي يخشى ان يكون التطرف الاسلامي قد اختطف الثورة وان يدفع الطبقة المتوسطة القلقة في سوريا نحو معسكر النظام. بل ان الجيش السوري الحر يعارض ايضا استخدام السيارات المفخخة لانها تتسبب في القتل العشوائي. وتحافظ جبهة النصرة على ظهور ضئيل، لكن اولئك الرجال قالوا إنهم قابلوا صحيفة "ذي تايمز" ليظهروا أنهم ليسوا متطرفين خطرين، وليسوا "الغيلان"، وفقا للإعلام الغربي. لكن نجاحهم (في ذلك) كان جزئيا فقط. كانوا يجلسون القرفصاء على الأرض يشربون الشاي، وقالوا إن "إخوتهم" جاءوا من أرجاء العالم العربي، ومن بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين. وهم يقاتلون لأن القرآن يطالبهم بمساعدة المسلمين الذين يعانون من الظلم. واستخدموا السيارات المفخخة "لأننا لا نملك الكثير من الأسلحة لمحاربة هذا العدو، ونحن بحاجة لفعل أي شيء لقتل أفراده. وأوضحوا أن روسيا والصين وإيران تدعم بشار الأسد، وأضافوا أن الحكومات الغربية تفعل ذلك سرا لأنه (الاسد) عرض عليها أن يضمن أمن اسرائيل. وقالوا أيضا إن السوريين العاديين بدأوا يرون من خلال الإعلام الغربي ويؤيدون جبهة النصرة، لكنهم كذبوا تأكيدات الجيش السوري الحر بأن الجهاديين سيغادرون البلاد ببساطة بمجرد انتهاء الثورة وينتقلون إلى ميدان معركة آخر. وبينما يقاتل الجيش السوري الحر من أجل الحرية والديموقراطية، فإنهم أوضحوا أن هدفهم مختلف. فهم يريدون أن تصبح سوريا دولة إسلامية تطبق الشريعة رغم أنه سيكون فيها مكان للأقليات. وعندما سئلوا عما إذا كانوا يرغبون في تدخل عسكري غربي، رفضوا الإجابة. وترددتُ في سؤالهم عن رأيهم في "القاعدة" لأننا كنا منهمكين في نقاش لفظي حساس، والفاصل فيه بين الصداقة والعداوة ضيق. وفي نهاية المطاف قلبوا الطاولات. فقد سألوا عن السبب في قتل الجيش البريطاني للمسلمين في العراق وأفغانستان. وتساءلوا عما إذا مصور "ذي تايمز" وأنا قد قرأنا القرآن. واستفسروا عما إذا كنا قد تأثرنا بصلاتهم، وقالوا إنهم خلال المعركة يصلون في أوقات الفرائض المحددة بينما إخوتهم يحرسونهم، وبالعكس. وتطور الأمر إلى حد أنهم تمنوا لو يهدوننا لاعتناق الإسلام. فمن واجب كل مسلم صالح أن يحاول ذلك، كما قالوا. وعرضوا علينا ترجمات بالانجليزية للقرآن. وجعلونا نردد الشهادتين- للدخول في الإسلام- "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"- وصورونا ونحن نفعل ذلك على أجهزتهم الهاتفية الخلوية. وخطر ببالنا حتما أننا من دون قصد نمثل نوعا من فيديوهات الرهائن، لكن مخاوفنا لم تكن في محلها. فقد كانوا يحاولون إنقاذنا، كما أصروا. فالإسلام دين السلام والتسامح. لقد أحببناهم. وتعانقنا حين تفارقنا بالقبلات التقليدية على الخدين. ولم نشك للحظة في إخلاصهم، لكننا كنا خائفين أيضا بسبب إصرارهم. فباسم الله، كما شعرنا، كان هؤلاء الشباب راغبين في القيام بأي عمل".