خرجت مؤخراً إحدى المنظمات الجهادية الغامضة في سوريا إلى النور، بعد ظهورها أولاً من خلال شبكة الإنترنت لتأكيد مسؤوليتها عن تفجيرات انتحارية وقعت في حلب ودمشق، حيث بدأت تشارك بفعالية على الخطوط الأمامية للحرب بالمدن السورية. وقد بدأت تطلق الآن تلك المنظمة التي تعرف باسم "جبهة النصرة لحماية شعب الشام"، الموجودة في محافظة حلب، العشرات من المقاتلين، بعضهم أجانب، للمشاركة في المعركة الخاصة بالسيطرة على عاصمة سوريا التجارية والتي تعتبر جائزة كبرى في حرب الاستنزاف المريرة التي يتم خوضها في الوقت الراهن بكافة أنحاء البلاد. وأشارت الجماعة، المشتبه في وجود علاقات بينها وبين تنظيم القاعدة، إلى أنها تحارب أيضاً في أماكن أخرى، بما في ذلك مدن حمص وإدلب وضواحي العاصمة دمشق. وذكرت في هذا السياق اليوم صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن نفوذ تلك الجماعة المتزايد أدى إلى ظهور مخاوف من أن تصبح الانتفاضة المستمرة منذ 17 شهراً ضد نظام الرئيس بشار الأسد ذات طبيعة متطرفة مع تصاعد معدل إراقة الدماء. ومضت الصحيفة تقول إن الظهور المتنامي لجبهة النصرة في شوارع المدن السورية يبرز أحد الأسباب التي تقف وراء رفض الولاياتالمتحدة وحلفائها تسليح المعارضين السوريين، حتى في ظل تأكيد إدارة الرئيس باراك أوباما على ضرورة رحيل الأسد. وأشارت الصحيفة كذلك إلى المخاوف التي تراود الحكومات الغربية من احتمالية أن تصل الأسلحة التي يتم إرسالها للثوار في نهاية المطاف لأيدي المتطرفين وأن تُستَخدم ضد الجهات التي تدعمهم في منطقة تعج بالفعل بالخصومات الطائفية والجيوسياسية. في مقابلة أجريت معه في المسجد الذي يعمل كمقر له في حي الشعار بمدينة حلب، قال أبو إبراهيم، قائد جبهة النصرة، إن هناك 300 رجل يخضعون لسيطرته. وشوهد حوالي 50 من مقاتليه وهم يطوفون حول المسجد، ويرتدي كثيرون منهم سراويل فضفاضة يصل طولها لمنتصف الساق ولهم لحي طويلة، بينما تواجد آخرون بالداخل. وأعقبت الصحيفة بقولها إن معظم الأشخاص الذين يقاتلون مع أبو إبراهيم، 32 عاماً، هم مواطنين سوريين من حلب ومن المناطق الريفية المجاورة. بينما أشار أبو إبراهيم نفسه إلى أن فريقه يضم أشخاص من المغرب وليبيا وتونس ولبنان وكذلك مواطن سوري سبق له خوض أعمال القتال في العراق ضد القوات الأميركية. وذكرت الصحيفة في الوقت عينه أيضاً أن جبهة النصرة هي الجماعة السورية الثورية الوحيدة التي تنشر أخباراً ومواد أخرى على منتدى إلكتروني يستخدمه زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، إلى جانب تابعين من المعروف انتمائهم للشبكة الإرهابية. وقال آرون زيلين وهو زميل لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى " وهو ما يشير لوجود علاقة، من خلال القسم الإعلامي على الأقل، بتنظيم القاعدة الأساسي، وهي العلاقة التي تمنح جهة النصرة مصداقية بين الجهاديين الذين تفتقر إليهم باقي الجماعات". وأكمل زيلين حديثه بالقول " هذه هي المنظمة الجهادية الأولى في سوريا حالياً". ثم أشارت واشنطن بوست إلى أن أبي إبراهيم ومقاتليه يعتبرون جزءا من لواء التوحيد، وهي كتيبة شكلت حديثاً من الجماعات الثورية التي تقاتل داخل وحول مدينة حلب. وقال أبو فارس، متحدث باسم مجلس حلب الثوري "هناك تنسيق جيد. ورغم اعتراض كثيرين في الجيش السوري الحر على أيديولوجية التطرف الإسلامي، إلا أنه ينظر إلى مقاتلي جبهة النصرة على أنهم أبطال في حلب. وهم يقاتلون دون خوف أو تردد". وقال اميل الحكيم، محلل في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بالعاصمة البريطانية لندن " أي شعبية تحظي بها جبهة النصرة بين السوريين تعد "أمراً انتهازياً" متأصلاً في خيبة الأمل من النقص الواضح في الدعم الدولي. وأرى أنهم لن يلعبوا دوراً أساسياً. لكنهم قد يُعجِّلُوا الزوال العسكري للنظام، لكنهم لن يكونوا العامل الأبرز هنا".