هو .. يبكي يشكو يصرخ ألماً .. لا يدري من الدنيا سوى " متى ستأتي عافيتي؟ " حفِظَ كل دهاليز المستشفى ، وكل موظفيه ، وأوقات دوامهم ، وشخصياتهم ، وأعمالهم من طول إقامته في أحضان المستشفى .. أما هي .. طالبة طب ، تراه فتعلوا الابتسامة محياها ، تفرح برؤيته ، لا لكونه هو فلان ، بل لكونه مريضٌ بمرضٍ نادر. سعادتها من أن القدر ساق لها رؤية حالة نادرة جداً كهذه .. تنادي زملائها لأخذ تاريخه الطبي ، وبسعادة واهتمام يأخذون تاريخه ، تهامسوا فيما بينهم باللغة الإنجليزية : What an interesting case ! ظناً منهم أن المريض لن يفهم عليهم ، لم يعلموا بعد أنه مدرسٌ للغة الإنجليزية ، وأن التهامس الإنجليزي الطويل _الذي دار فوق رأسه_ حول سعادتهم قد فهمه المريض حرفا حرفا ! وقد انحفر في خاطره كثيرا حتى أصابه باليأس ، فهو في محنة نوبات الألم الشديد المغلف بصبر إيماني راسخ ، وهم في نشوتهم يضحكون مسرورين برؤية مرضه .. كم من المرات تكرر نفس المشهد عند سريره ، لطالما ضجر من طلبة الطب ، وتمنى أن يُنقل لمستشفى في أقصى البلاد لا يطأ أرضه قدم طالب طب واحد ! لكنه في يوم من الأيام أطال التفكير ، وقال أتمنى أن أستطيع تخيل استبدال مواقعنا في الحياة .. أنا طالب طب ، وذاك الطالب المتعجرف ذو النظارة السميكة هو المريض .. حاول أن يعصر مخه ليضع نفسه في كلية الطب ، وتخيل لو أنه درس عن مرضه في الكتب ، ولو عَلِم أن كثيراً من الأطباء القدامى لم يتسنَ لهم رؤية نصف حالة بهذا المرض ، قال بعجب : ألن أكون فخوراً برؤية حالة كهذه ؟ أجاب في قرارة نفسه الدفينة ب " ن ع م " لكنه سرعان ما استفاق من غيبوبة الخيال .. ليسمع أصوات مجموعة جديدة من طلبة الطب السعيدين برؤيته .. تضايق مرة أخرى ..وهم أتوا بابتسامات الموناليزا .. وعَلِم يقينا أنها حلقة مفرغة ، وحقيقة لا زيف فيها " طالبُ طبٍ يبتسم .. ومريضٌ يتألم " كم هو .. شديد التناقض ! *طالبة طب بجامعة السلطان قابوس / سلطنة عمان